:السؤال 180
«إذا كان الإنجيل هو العهد الجديد، فهل العهد القديم غير صالح؟ بتعبيرٍ آخر: هل إيمان اليهود بدون قيمة؟».
الجواب: كلمة «إنجيل» تعني أوّلًا البشرى الّتي تبيّن مجيء المسيح في يسوع الناصريّ، المسيح (الّذي نال المسح، وباليونانيّة: خريستوس). وتشير كلمة إنجيل أيضًا إلى البشرى بأنّ ملكوت الله قد أتى، وأنّ يسوع، والكنيسة بعده بحسب طلبه، أعلن هذا الملكوت ونقله. لذلك فإنّ كلمة إنجيل تشير إلى كلٍّ من الكتب الأربعة في العهد الجديد الّتي تحمل هذا الاسم (مثلًا إنجيل متّى) وتعلن رسالة يسوع في ضوء حياته. ويُطلَقُ أحيانًا على رسالة العهد الجديد بمجمله كلمة إنجيل (بشرى). أمّا في شأن علاقة الإيمان بين المسيحيّين واليهود، فالمجمع الفاتيكاني الثاني عبّر في السنة 1965 بما يلي عن هذه النقطة في الرقم 4 من «بيان علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحيّة» (في عصرنا):
الديانة اليهودية
4- إن هذا المجمع المقدس، إذ يتقصى سر الكنيسة يذكر الرباط الذي يربط روحيًا شعب العهد الجديد بذرية إبراهيم.
وتقرّ كنيسة المسيح بأن بواكير إيمانها واختبارها توجد لدى الآباء ولدى موسى والأنبياء وفقًا لسر الله الخلاصي. وإنها تعترف بأن كل المؤمنين بالمسيح، أبناء إبراهيم حسب الإيمان، لا يستثنون من دعوة ذلك الشيخ، وإن خلاص الكنيسة رُمِز عنه سرّيًّا ومسبقًا بخروج الشعب المختار من أرض العبودية. لهذا السبب لا تستطيع الكنيسة أن تنسى أنها قبلت وحي العهد القديم بواسطة ذلك الشعب الذي تنازل الله بحنانه الذي لا يوصف أن يقطع معه العهد القديم؛ ولا تنسى أنها تتغذى من أصل الزيتون الطيب الذي طعمت فيه فروع زيتون الأمم. ولذا تؤمن الكنيسة بأن المسيح، سلامنا، صالح بصليبه اليهود والأمم وجعل الاثنين واحدًا في ذاته.
ولا تبرح أبدًا من أمام ناظري الكنيسة كلمات بولس الرسول في بني قومه «الذين لهم التبني والمجد والعهود والناموس والعبادة والمواعيد ولهم أيضًا الآباء ومنهم المسيح بحسب الجسد» (رومة 9: 4-5) ابن مريم العذراء. وإنها تذكّر أيضًا بأن الرسل الذين هم عواميد الكنيسة وأساساتها، ولدوا من الشعب اليهودي وكذلك كثير من أولئك التلاميذ الأولين الذين بشروا العالم بإنجيل المسيح.
ويشهد الكتاب المقدس بأن أورشليم جهلت زمان افتقادها، وأن اليهود بمعظمهم لم يقبلوا الإنجيل، لا بل كثيرون هم الذين قاوموا انتشاره. غير أن اليهود، كما يقول الرسول، لا يزالون بسبب الآباء أعزاء لدى الله، لأن مواهب الله ودعوته هي بلا ندامة. الله وحده، والذي فيه تدعو الرب جميع الشعوب بصوت واحد "ويخدمون تحت نير واحد" (صفنيا 3: 9).
وبما أنّ للمسيحيين ولليهود تراثًا روحيًا مشتركًا وساميًا، يريد هذا المجمع المقدس أن يوصي بالمعرفة والاعتبار المتبادلين وأن يعززهما بين الاثنين؛ ويحصل ذلك خصوصًا بالدروس الكتابية واللاهوتية وبالحوار الأخوي. وأن تكن سلطات اليهود وأتباعها هي التي حرّضت على قتل المسيح، لا يمكن مع ذلك أن يُعزى ما اقترف أفي ثناء آلامه، إلى كل اليهود الذين كانوا يعيشون آنذاك دونما تمييز ولا إلى يهود اليوم. وإن تكن الكنيسة شعب الله الجديد، يجب مع ذلك ألا ينظر إلى اليهود كمن رذلهم الله ولعنهم، كما لو كان ذلك ناتجًا من الكتب المقدسة. فليحرص الجميع إذًا في التعليم المسيحي وفي الوعظ بكلام الله على ألا يعلِّموا شيئًا لا يتلاءم مع الحقيقة الإنجيلية ومع روح المسيح.
علاوة على ذلك، إنّ الكنيسة التي تشجب الاضطهادات كلها ضد الناس أيًّا كانوا، تتاسف للبغضاء وللاضطهادات ولكل مظاهر مقاومة السامية التي استهدفت اليهود في أيّ زمن كان وأيًّا كان مقترفوها.
والكنيسة لا تدفعها في ذلك الدوافع السياسية بل محبة الإنجيل الدينية متذكرة التراث المشترك مع اليهود. أضف إلى ذلك أنّ المسيح بمحبته الفائقة قدم ذاته طوعاُ إلى الآلام والموت بسبب خطايا جميع الناس لكي يحصلوا جميعهم على الخلاص، هذا ما تمسكت به الكنيسة ولا تزال. ويعود للكنيسة الكارزة أن تبشّر بصليب المسيح علامة لحب الله الشامل وينبوعًا لكل نعمة.
الأخوة الشاملة تنفي كل تمييز
5- لا نستطيع ان ندعو الله أبا الجميع إذا رفضنا أن نسلك اخويًّا تجاه الناس المخلوقين على صورة الله. فعلاقة الإنسان بالله الآب وعلاقته بإخوته البشر مرتبطتان الى حد أنّ الكتاب يقول: «ان من لا يحب لا يعرف الله» (1 يوحنا 4: 8). إذًا يقوّض أساس كل نظرية أو تصرف يفرق بين إنسان وإنسان، وبين أمة وأمة، في ما يتعلق بالكرامة الإنسانيّة وبالحقوق النابعة منها.
فالكنيسة تشجب إذًا كمناف لروح المسيح، كل تفرقة او جور يلحق بالبشر بسبب عرقهم أو لونهم، وبسبب وضعهم أو ديانتهم. ومن ثم فالمجمع المقدس، إذ يتتبع خطى القديسين الرسولين بطرس وبولس يناشد المسيحيين بحرارة كي «يسيروا سيرة حسنة بين الأمم» (1 بطرس 2: 12) إن أمكن، ويعيشوا بسلام مع جميع الناس بقدر ما يتعلق ذلك بهم ، بحيث يكونون حقًّا أبناء الآب الذي في السماوات.