German
English
Turkish
French
Italian
Spanish
Russian
Indonesian
Urdu
Arabic
Persian

الكتاب المقدّس – كلمة الله

I.

 

أولا: تساؤلات المسلمين

لماذا أربعة أناجيل بدلا من إنجيل واحد؟ أي أنجيل هو الأصلي؟

 

أليست الفروق بين الأناجيل برهانا على كونها محرفة ؟ 

 

كيف يكون الكتاب المقدس كلمة الله في حين يحمل كل سفر اسم واضعه (مثل أشعيا ومتى ومرقس .. الخ)؟ في أفضل الأحوال، لن يكون هؤلاء إلا "نقلة" للوحي المنزل عليهم.

 

كيف يمكن الوثوق بهؤلاء "النقلة" (واضعي الأسفار) وبعضهم لم يكونوا شهود عيان على الأحداث التي رووها، ولم يشكلوا حتى حلقة في سلسلة متصلة من الرواة (السَّند) كما 

 

هو الحال في الحديث النبوي؟ فلوقا على سبيل المثال لم يلتق المسيح،  ولم يشر إلى أسماء  الذين تلقى عنهم المعلومات التي سجلها في إنجيله (راجع: لوقا : 1:1-4).

 

II.

 

ثانيا: نظرة المسلمين

 

نظرة عامة

يحكم المسلمون على الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد – وفقا لمقياس القرآن. يرى الإسلام في هذا الأخير المثال والنموذج والمعيار الفصل على جميع الكتابات التي أوحى بها الله. فالقرآن هو كلام الله الموحى مباشرة إلى الرسول (محمد) الذي لم يكن أكثر أو أقل من "ناقل" لهذا الكلام. نص القرآن فريد، محفوظ من التغيير والتعديل، ولم يكن، بأي طريقة، نتيجة إبداع بشري.

 

 يعتبر المسلمون القرآن معيار الحق والباطل، واستنادا إليه تقاس كل الكتابات الأخرى، من هذا المنطلق لا يمكن اعتبار الكتاب المقدس - بما في ذلك العهد الجديد– كلمة الله الموحى بها إلا في حالة واحدة فحسب هي: الانسجام مع ما جاء في القرآن (أي إن صدقه القرآن). ولا يحتاج من يؤمن بالقرآن إلى قراءة الكتابات الأخرى لأنها محرّفة وما عادت مطابقة للنص كما أوحي به في الأساس، أو أقله أسيء فهمها. وهذا يفسر قلة اهتمام المسلمين بقراءة الكتاب المقدس، وإن فعلوا، فبدافع الفضول لاستكشاف عقائد المسيحيين وطقوسهم الدينية. وينظر المسلمون إلى هذا الفضول بريب كبير، ويعدونه تشكيكا في حقيقة القرآن، خاتم الوحي.

 

 

نظرة مفصلة

 

1.

هناك سفر إلهي أزلي واحد هو "أم الكتاب": )يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ( [الرعد : 39] . )وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ( [الزخرف : 4] . )هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ(  [آل عمران: 7] .

أم الكتاب هو كلمة الله، بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وهي مدونة على اللوح المحفوظ: )بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ [سورة البروج: 21-22]. على مرّ الأزمان أوحى الله الكتاب الأصلي إلى الأنبياء المصطفين، فأنزلت التوراة (التي تشمل الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم) على موسى، والمزامير على داود. أما  الانجيل فاوحي به يسوع (عيسى). وأخيرا أوحى الله كلمته إلى محمد في القرآن العربي. أُنزلت هذه الكتب جميعها من الله مباشرة إلى الأنبياء، فابلغوها الناس، كلمة كلمة من دون تحريف أو إفساد.

 

2.

يمثل كل سفر من هذه الأسفار "إصدارا" جديدا لكلمة واحدة أزلية: كلمة الله. وتحتوي كل هذه الإصدارات على الرسالة الواحدة نفسها: البشارة وعبادة الإله الحقيقي  الواحد الأحد وعدم الاشراك به. وعليه فجب بحسب الملسمين  ان تتفق الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية مع القرآن، إذ يمثل هذا الأخير "الصورة" النهائية الكاملة لكلمة الله المنزلة باللغة العربية، وجاءت في غاية الوضوح وقوة البلاغة وجمال الأسلوب. وحيثما يبرز اختلاف بين القرآن والكتاب المقدس، يعزى ذلك إلى عدم محافظة اليهود والمسيحيين على أسفارهم من التحريف والفساد.

 

3.

يشير علماء العقيدة وعلماء الكلام المسلمون إلى وسائل وطرق مختلفة في تحريف التوراة والأناجيل.

 

3.1

لا يمكن نسب الأسفار الخمسة الأولى من التوراة ( Pentateuch ) جميعها إلى موسى. فعلى سبيل المثال، ورد وصف في سفر تثنية الاشتراع عن موت موسى (تثنية الاشتراع 34: 5-8) خُطّ حتما على يد شخص غير موسى. يحتوي كذلك الكتاب المقدس إضافات كثيرة مماثلة.

 

3.2

الأناجيل مليئة  بالتناقضات اذا قورنت فيما بينها، مثلا في سردها نسب المسيح، ووصفها دخوله إلى أورشليم (القدس)، والكلام عن إنكار بطرس للمسيح. هذا فضلا عن كونها كتبت على يد أربعة كتاب مختلفين، منهم واحد على الأقل لم يلتق بالمسيح البتة. لا ترقى الأناجيل بالتالي لاحترام المعايير الأساسية للرواية الموثوقة كما طبقت 

على الحديث المتواتر الذي يستوجب التأكيد على عدم نسب أقوال وأفعال إلى الرسول ما لم تنقل عبر سلسلة متصلة الحلقات من الرواة تعود إلى شهود عيان.

 

3.3

يقر المسيحيون أنفسهم بوجود عدد من الأناجيل المنحولة، لم تعتمد ضمن الأناجيل المشروعة. ولعل أحد هذه الأناجيل هو الإنجيل الحق الذي يتوافق مع القرآن. ويرى مسلمون كثر إن إنجيل برنابا هو الإنجيل الحق الموثوق به(1).

 

3.4

يعتقد المسلمون أن المسيحيين طمسوا الإشارات إلى نبوة محمد في التوراة والإنجيل.      فلقد جاء في القرآن: 

) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ( [الأعراف: 157].

) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ( [الصف : 6].

هناك نصوص كتابية أخرى يمكن البحث فيها عن البشارات بِنُبَّوة محمد؛ تتحدث التوراة عن نبي مثل موسى يبعث في المستقبل: "يُقيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِثْلي مِن وَسْطِكَ، مِن إِخوَتكَ، فلَه تَسْمَعون"... "سأُقيمُ لَهم نَبِيُّا مِن وَسْطِ إخوَتِهم مِثلَكَ، وأَجعَلُ كلامي في فَمِه، فيُخاطِبُهم بِكُلِّ ما آمُرُه به" (تثنية الاشتراع 18:15،18). ورد كذلك في إنجيل يوحنا كلام عن شخص (فارقليط) يأتي بعد المسيح وحاملا الحقيقة للتلاميذ (يوحنا 14:16,26؛ 15:26 ؛ 16:13).

 

3.5

قبل بعض العلماء المسلمين، من قدامى ومعاصرين(2)، بنصوص الكتاب المقدس كما هي عليه. يرون سبب التحريف المشار إليه في القرآن في تأويل مضلل توصل إليه اليهود والمسيحيون منذ العصور القديمة، ولا يرون فيه تحريفا للنص الأصلي. ويعترف بعض العلماء المعاصرين الآخرين بأن الأناجيل تستند إلى وقائع تاريخية معروفة، فلا داعٍ ان يقصي المسيحيون التفسيرات التاريخية المختلفة عن تفسيراتهم (على سبيل المثال الإسلامية). 

 

3.6

ينبغي أن يلاحظ في هذا السياق مباشرة بعض العلماء المسلمين المعاصرين بتطبيق المبادئ الحديثة في دراسة النصوص على النصوص القرآنية، وهم يعانون من صعوبات جمة 

في مجتمعاتهم الأصلية على يد الأكاديميين والسياسيين(3)

 

 

III.

 

ثالثا: نظرة المسيحيين

 

1. 

في نظر المسيحيين، ليست "كلمة الله" في المقام الأول الكلمة المدونة في الأسفار، بل هي حدث شخص المسيح الذي يحمل الكتاب المقدس شهادة عنه، أي أنها تجسد الله في تاريخ البشرية.  يحمل العهد القديم شهادة عن واقعة خروج بني إسرائيل من مصر (التحرر من العبودية)، ويبرز العهد في سيناء بين الله وشعبه، والاستقرار في أرض الميعاد باعتبارها تعبيرا عن مشيئة الله الذي سيبقى منقذا لشعبه ومخلصا له. يرى المسيحيون في العهد الجديد تعبيرا عن إيمانهم بأن يسوع المسيح كلمة الله الحي، هو الوحي النهائي الكامل لإله العهد القديم لشعوب المسكونة جمعاء. وتختلف الأناجيل الأربعة عن بعضها البعض سواء في اختيارات الاحداث أو تركيزها على بعض منها دون سواها. ويمكن معرفة ذلك بمقارنة الروايات الاربع لآلام المسيح كما جاءت في الأناجيل الأربعة، لكن يبقى ان جميع روايات العهد الجديد (الأناجيل، أعمال  الرسل، الرسائل وسفر الرؤيا) متحدة في عرض أعمال المسيح وأقواله على ضوء قيامته من بين الأموات التي فيها تجلت حقيقته وكشفت عمق  رسالته وكلماته.

 

2.

الكتاب المقدس، بما فيه العهد الجديد، وضعه مؤلفون ألهمهم الرب، فهو كلمة الله،  وتمّ تدوينها بوحي منه. كذلك أسفار كثيرة بعد مرحلة الرواية والنقل الشفهي تمت كتابتها. و مجموعة النصوص التي اعترفت بها الكنيسة واعتمدتها واحتفظت بها، سميت بالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد. و تعتبر الكنيسة  هذه الكتب وحدة متكاملة، تحمل شهادة واحدة عن أعمال الرب وتجليه. و نحن المؤمنين المسيحيين، نعترف بالكتاب المقدس بعهديه ككلمة الله نتلقاها، و نتأمل بها على غرار الرسل ونجعلها نوراً لخطانا. تأتينا كلمة الله في لغة بشرية. فعندما ينطق الأنبياء بكلمة الله، انما  يشيرون   يعبرون ايضا عن بيئتهم: الزمن والمكان والثقافة، والناس الذين  حولهم.  هكذا الأناجيل التي تنقل رسالة المسيح تأخذ في الاعتبار البيئات المختلفة في الجماعات المسيحية الأولى، وهذا ما يفسر التنوع  في  منظور الرؤيا نفسها. فواضعو الأسفار والأناجيل لا يكتفون بنقل الكلمة، بل يشهدون لها في واقع حي ويعبرون عنه بطريقتهم الخاصة. 

 

3.

 الكتاب المقدس كلمة الله  بلغة بشرية  يقول القديس بولس:      " ان كلام الله  كنزٌ نحملُهُ في آنية من خزف"(2كور4/7)، أنه  كلام حيّ، لكنه  يتواصل في فقر الانسان وهشاشته وسرعة عطبه وحدوده. ويقول أفرام السرياني: " ألبَسَ نفسَه بلغتنا، ليتسنى له ان يُلبسنا زيَّّه، زيًّ الحياة. طلب شكلَنا ولبسَه، وبعدئذ تكلم مع  حالتنا الطفولية كأبٍ مع أولاده. انها مجازا ًوليس بالمعنى الحرفي" ( الايمان 54/8).

ان الكتاب المقدس واسع الانتشار وقد ترجم الى اكثر من ألفي لغة ولهجة(ثلث لغات العالم). يعده العبرانيون والمسيحيون كتابا مقدسا،  اذ يسلمون باصله  الالهي. وهو يختلف عن الكتب الاخرى، ويقرأون نصوصا منه في احتفالاتهم الدينية  ورتب صلواتهم.  كما يؤمنون بان الله قد الهمه   وهو تعالى يضمن سلامته من الخطأ. هذا بالنسبة الى النص الاصلي وليس الترجمات. يقول القديس اغوسطينُس: " ان روح الله الذي تكلم بواسطة الكتبة القديسين لم يُعَلِّم البشرَ شيئا غير نافعٍ لخلاصهم" ( شرح التكوين 2،9،20). لكن ماذا يقول الكتاب المقدس عن نفسه؟ انه لا يقدم معلومات عن أصله ولا عن قيمته الدينية، وان عبارة " كلام الله" استعملت للاشارة الى البلاغات التي وجهها الله  الى الناس بواسطة اشخاص انتدبهم وخصوصا الانبياء. الكلمات العشر( الوصايا العشر ) التي جاءت في سفر الخروج (20/1-..)، قالها الله مباشرة. ثم ان الله تكلم في فم ارميا(1/9)، وان كرازة الانبياء تضمنت أقوال الله  oracles . " ان الله، بعدما كلم  الاباء قديمًا بالانبياء.. كلمنا في آخر الايام بابنه.." ( عبر 1/1-2).  ولقد عدّ المسيحيون الاولون كرازة الانجيل" كلمة الله"،  "الزارع خرج ليزرع كلمة الله" (مرقس 4/13) وفي التسالونيقي الاولى: " لما تلقيتم ما أسمعناكم من كلمة الله" (2/31).

فهذه الكلمة صارت سريعاً مدوّنة كي تقرأ على الشعب ( تثنية الاشتراع 31/9-13)، لكنها لم تفقد حيويتها، بل حافظت على قوتها كاملة على مثال الكلمة المعلنة، فهي تعترض وتصحح وتقود من يقرأها الى التوبة- الاهتداء ( نحميا 9/3..). وقد عدها اليهود والمسيحيون " منذ البداية كلام الله حياً وناجعاً" (عبر 4/12).

 

4.

الكتاب المقدس ملهم. ان الهام الروح القدس في نقل  "كلام الله" واضح. جاء في الرسالة الثانية لبطرس:   " ولكن الروح القدس حمل بعض الناس على ان يتكلموا من قبل الله" (1/21). و تشير الرسالة الثانية لثيموتاوس صراحة الى ان اشخاص معينين دفعهم الروح القدس الى التدوين: " فكُلُّ ما كُتِبَ هو مِن وَحيِ الله، يُفيدُ في التَّعْليمِ والتَّفنْيدِ والتَّقْويمِ والتَّأديبِ في البِرّ، لِيَكونَ رَجُلُ اللهِ كامِلاًَ مُعَدًّا لِكُلِّ عَمَلٍ صالِح" (3/16-17).  واللفظة اليونانية theopneustos" التي وردت في النص تعني: الملهمة من الله أو الله هو ملهم لها.   للكتاب المقدس اذاً   القوة في التعليم والتقويم والتنشئة. وبكونه ملهماً من الروح القدس يؤدي  دورا أساسياً في حياة شعب الله، فالله يرافق كلمته ويسندها باستمرار بفعلة الروح القدس. ففي اليهودية، كان الانطباع السائد بان التوراة سابقة للخلق( ابن سيراخ 24) وانها محفوظة في الواح السماء و قد اوحي بها بالتدريج الى الاباء الاولين.

يهدف التحليل الحديث للنص إلى إظهار أي من نصوص الأناجيل منسوبة إلى المسيح مباشرة، وأيها مستقى من شهادة الجماعات المسيحية الأولى. بهذه الطريقة، نحدد المبادئ الأساسية للتفسير معتمدة نصوص الأسفار ذاتها، مما يساعدنا على فهم أهمية المسيح في زمننا المعاصر.

 

IV.

 

رابعا: أجوبة المسيحيين

 

1.

من الأهمية بمكان، أن ندرك أن المقاربة الإسلامية تنظر إلى الإنجيل بشروط القرآن ومصطلحه، وكأنه صورة عن القرآن أو نسخة منه. أما وقد فهمنا الان  هذا المبدأ، فصار ممكنا المباشرة بحديث ذات معنى مع المسلمين  حول العقيدة المسيحية، المبنية على رسالة الإنجيل.

 

2.

لا يجب التركيز على الاختلافات بين الأناجيل والبحث  عن شروحات تاريخية لتفعيل الحوار (بحسب النظرية القائلة بأن الاختلافات تمثل مشكلة)، بل على العكس، لا بد من الانكباب على التركيز على مضمون الإنجيل.

 

3.

ليس الإنجيل كتابا على الإطلاق . فالتعبير اليوناني Euangelion يعنى: البشرى أو الخبر السار (عن الخلاص) وان جوهر هذه البشرى  :  ان الله  عبر عن حبه الجمّ للبشر بواسطة يسوع، ابنه الحي. و هذه الرسالة  لم تدون في البدء، انما بشّر بها المسيح وبعده نقلها  بالطريقة نفسها تلاميذه (الرسل) الذين عاشوا معه وكانوا شهودا على حياته وآلامه وموته وقيامته: ذاك الذي سمعناه، ذاك الذي رأيناه بعينينا، ذاك الذي تأملناه، ولمسته يدانا من كلمة الحياة .. نبشركم به انتم ايضا" (1يوحنا 1/1-3).

 

4.

نحن شهود بأن يسوع نفسه هو كلمة الله ووحيه. والقرآن نفسه يطلق عليه لقب: "كلمة الله": )إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ( [النساء : 17]. و )إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ( [آل عمران : 45]. إلا أن القرآن لا يرى في المسيح "ابناً لله".

 

5.

تعطينا الأناجيل الأربعة شهادة خطيّة عن المسيح. كتبت على ضوء الإيمان بقيامته من بين الأموات. وينتظر ان  يتحلى قارئها أو سامعها بالإيمان نفسه  حتى يلقى المسيح ربا وإلها.

 

6.

تجسّد الأناجيل الأربعة تقليد الكنيسة الرسمي وهي امتداد لرسالة السيد المسيح المكتوبة ضمن جماعة المؤمنين. أٌعلن عنها شفهيا في بادئ الأمر، ثم دوّنت في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي. ويمكن مقارنة  هذا المفهوم بالسنة النبوية عند المسلمين، أي الروايات المحفوظة عن أفعال محمد وأقواله.

 

7.

تعود أقدم مخطوطات العهد الجديد إلى بداية القرن الثاني ميلادي. وشأنها شأن الكتاب المقدس، تحتوي على بعض أوجه التفاوت. على الرغم من وجود اتفاق جوهري بين هذه المخطوطات، إلا أنها تشمل بعض الاختلافات الملحوظة. ويمكننا إذا ما طبقنا منهج القراءة التحليلية النقدية أن نعيد بناء النص الأصلي بشيء من الاطمئنان. تجدر الإشارة إلى أنه نُشرت بعض الطبعات لنصوص الكتاب المقدس مع نقدها التحليلي مما أظهر أهم الاختلافات بين النصوص. قامت الكنيسة بجمع الكتابات المسيحية الأولى (مثل الأناجيل والرسائل الخ) في ما يعرف باسم: قانون الأناجيل. لم تعترف الكنيسة بكل الأناجيل الموجودة آنذاك، فاستبعدت بعضها بسبب عدم صحتها  وسمتها بالأناجيل المنحولة(4).

 

8.

يقومُ  الحوار على القاعدة الأساسية التالية التي لا تقبل النقاش: يجب على  كل طرف أن يعترف بأن النصوص المقدسة التي يُبنى عليها إيمان الطرف الآخر تشكل قاعدة إيمانه ومعيار قياسه. وقد أقر مؤتمر طرابلس (ليبيا) لحوار الأديان (شباط / فبراير 1976) هذا المبدأ، وأظهر ضرورة أن يدرس المسيحيون القرآن، وأن يدرس المسلمون الكتاب المقدس لكي يصبح الحوار بينهما ذا جدوى.

 

9.

وشأن الكتاب المقدس كشأن أي وثيقة تاريخية أخرى، يمكن قراءته بعيدا عن منظور الإيمان المسيحي وهذا هو سبب وجود تفسيرات للإنجيل  قامت بها جماعات ماركسية وعقلانية ويهودية وحتى إسلامية، فأعادت قراءة الأحداث بطريقة مختلفة. هذه القراءات تستحق الاحترام طالما غاصت في أعماق النص ذاته،  لكن انطلاقا من احترام الآخر لنصوصه المقدسة،  يجب أن يأخذ الحوار بين المسلمين والمسيحيين بنظر الاعتبار الاختلافات بين القرآن والكتاب المقدس.

__________________________________________________________

(1). إما إنجيل برنابا المنحول ـ فالمخطوط الوحيد الموجود هو  باللغة الايطالية ويعود إلى أواخر القرن السادس عشر ـ لم يرد ذكره في القران وهو في الواقع ضد المسلمين أكثر مما  هو بجانبهم .. ويناقض القران في أوجه عديدة: يقوم فيه يسوع مقام يوحنا المعمدان ، ويؤكد انه ليس بالمسيح، ويبدو فيه محمد وكأنه مثالا الخليقة وينبأ فيه على المسيح المنتظر. ويسوع لا يموت فيه إذ أبدل فيه بيهودا ، الذي مات عوضا على الصليب. طالع ساكو، محاضرات في الاسلام، اربيل 2009 ص 38.

 

(2) يقول عباس محمود العقاد: " سوءا رجعت هذه الأناجيل ـ متى ومرقس ولوقا ويوحنا ـ إلى مصدر واحد وأكثر من مصدر، فمن الواجب إن يدخل في الحسبان  أنها العمدة التي اعتمد عليها قوم اقرب الناس إلى عصر المسيح، وليس لدينا نحن قرابة إلفي سنة عمدة أحق منها بالاعتماد"  حياة المسيحن سلسلة كتاب الهلال، 202، سنة 1968 ص 210. اغلب الظن أن التحريف الذي يشير إليه القران يقصد به الأناجيل الكثيرة المنحولة المنتشرة في سوريا والجزيرة العربية في زمن الجاهلية.. ولعل من المفيد جدا إن يعلم المسيحيون إن بعض كبار المفكرين من المسلمين أمثال : أوردن الدرامي ( 798 ـ 869 ) والرسالة الاضحوية في العماد لابن سينا ( 980 ـ 1037 ) والرد الجميل لأبي حامد الغزالي ( 1059 ـ 1111 ) والمقدمة لابن خلدون ( 1332 ـ 1406 ) ومواقف محمد عبده ( 1849 ـ 1905 ) في تفسير المنار ـ يؤكدون استحالة " تحريف النص " بمقتنع التاريخ ، بسبب وفرة المخطوطات الموجودة آنذاك والمنتشرة في العالم اجمع ولدى الجماعات الدينية المتعددة فيكتفون بالقول إن أهل الكتاب أساءوا تفسير معنى كتبهم المقدسة وترجمة معانيها الحقيقية أي " تحريف المعنى لا المبنى " ، ساكو محاضرات في الاسلام، ص  38 

 

(3)  على سبيل المثال العلامة محمد اركون، استاذ العلوم الاسلامية في جامعة السوربون بباريس –فرنسا.

 

(4) يبقى إن هناك سوالا مهما وهو : إذا كان الله قد انزل الإنجيل على عيسى المسيح وهو كلامه فكيف لا يحرسه ويحافظ عليه من التحريف والتزوير ؟ وفي المسيحية  لا يوجد ناسخ ومنسوخ.جاء في سورة الانبياء:" لقد أتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقيين" (47)، كذلك في سورة البقرة! ان الكتاب المقدس لم ينسخه القرآن. وان محمدا اوصى المسلمين بقبوله والتصديق به. وقول المسلمين بفقدان الانجيل الحقيقي" هو غير واقعي. كيف ضاع، ففي زمن محمد لم يضع، بل كان معمولا به كما تبين والا لما استشهد به؟ وطالع الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل طبعة باريس 1939 ص 40 اللاهوت المسيحي وعلم الكلام الإسلامي ، في " المسيحيون العرب، مؤسسة الأبحاث العربية ، بيروت 1982 ص 145

 

Contact us

J. Prof. Dr. T. Specker,
Prof. Dr. Christian W. Troll,

Kolleg Sankt Georgen
Offenbacher Landstr. 224
D-60599 Frankfurt
Mail: fragen[ät]antwortenanmuslime.com

More about the Authors?