German
English
Turkish
French
Italian
Spanish
Russian
Indonesian
Urdu
Arabic
Persian

الموت – الدينونة – الحياة الأبديّة

1- وجهة النظر الإسلاميّة

 

الموت

 

لا ينبغي للمسلمين أن يلغوا مفهوم الموت من حياتهم، بل بالعكس، يُطلَبُ منهم أن يعيشوا مع الموت. فالموت رفيق الناس اليوميّ، ولكي يعيشوا عليهم أن يعوا هذا. يقول القرآن الكريم: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ» (النساء 78)؛ أو « قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ» (الجمعة 8)؛ وأخيرًا « نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ. عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ » (الواقعة 60-61).

فالمسلم يقول هذه الكلمات خمس مرّاتٍ في اليوم: « الْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ» (العصر). [...] إنّ الموت في حياة إيمان المسلمين والجماعة الإسلاميّة ليس مغيَّبًا ولا يُحاط بالصمت، بل يُمنَحُ أهمّيّة خاصّة، أو يُعطى بالأحرى معناه الأساسيّ. الله يذكّر الإنسان بكلمته – القرآن – أنّ الموت ليس أوّلًا وحصرًا «ثمن الخطيئة» بل هو قبل كلّ شيءٍ «عودة إلى الديار»، وليس نهاية كلّ شيء. فما نعتبره موتًا أو خروجًا أو نهايةً أو تقهقرًا أو حتّى كارثةً، هو في العالم الدينيّ عودة إلى أصول الحياة «القرب من الله» (راجع المائدة 36). هل الموت نهاية الحياة؟ إنّ الله يشرح في القرآن الكريم أنّه لا يتمنّى أن يُفهَمَ الموت بهذه الطريقة مهما فكّر الكائن البشريّ بذلك [...].

التقليد

 

إذا أردنا أن نفهم يقين المسلم، وهو يقين منظّم دومًا على أساس القيامة والحياة الأبديّة بالقرب من الله سبحانه تعالى، علينا أن ندخل بعض الشيء في التقليد الحيّ. فملاك الموت (الّذي يسمّيه التقليد عزرائيل) يقوم بدورٍ بارزٍ، وذلك بالارتباط مع الأحداث الأخيريّة. إنّ مذكور في سورة السجدة الآية 11: «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ». فإن كان القرآن الكريم لا يشرح ما يحدث بين الموت والقيامة، فإنّ التقليد انشغل كثيرًا بهذا الموضوع. وبحسب هذا التقليد، يوكَل إلى ملاك الموت أن يفصل النفس (أو الروح) عن جسد المتوفّى. فإذا كانت من الخالصين نُقِلَت إلى أمام ربّها لتسمع أنّ آثامها غُفِرَت، فتعود النفس إلى الأرض وتستلقي على جسد الميت الّذي لم يُدفَن بعدُ. أمّا نفس الهالك فتُرسَلُ إلى باب السماء السفليّ. فيُبعِدُ ملاك الموت عنها يده فتهوي على الأرض. حينها تقبض عليها الزبّانيّة، ملائكة جهنّم، وتقود إلى حشد الهالكين. المرحلة الثانية المهمّة هي سؤال القبر. حين يُدفَنُ جسد المتوفّى، يظهر الملاكان مُنكَر ونكير ليسألا المَيت عن إيمانه وحياته. وقد أثار هذا التصوير تقليدً مؤثّرًا يلعب دورًا أساسيًّا في أثناء التشييع. فالجماعة الحزينة تبذل الجهد لمساعدة المتوفّى كي يتحضّر لسؤال الملاكَين، فتذكّر بهذه الصياغة: «تذكّر يا عبد الله ما تعهّدتَ به قبل أن تغادر هذه الأرض: أن تعرف أن لا إله إلّا الله الأحد، وأنّ الإيمان بالجنّة حقّ والنار حقّ، واستجواب القبر حقّ ولا شكّ فيه، وأنّ يوم الدين آتٍ حين يقيم الله مَن في القبور، وأنّك اعترفتَ بأنّ الله هو الربّ، وأنّ القرآن مرشدك والكعبة قبلتكَ وباتّجاهها تصلّي، وكلّ المؤمنين إخوانك. وليقوِّكَ الله في هذا السؤال لأنّ القرآن الكريم يقول: «يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ» (إبراهيم 27).

 

إذا كان الجواب إيجابيًّا، يهتمّ الملاكان مباشر وبشير بالمتوفّى، فيشقّون القبر كي يسقط شعاع من نور النهار عليه علامةً على القيامة الموعودة ويقولان: «ارقد كما يرقد العريس، فهو وحده يوقظ حبيبه. ارقد حتّى يُنقِذُكَ الربّ من مثواك». وإذا كان الجواب سلبيًّا، ينال الجسد عذاب القبر، أي يضربه مُنكَر ونكير ويهينان. ويأتي بعدها الليل الطويل، زمن انتظار يوم الحشر. فالأنفس تعيش حياةً شبيهة بنوم مخمورٍ. وحين يحين اليوم الآخر، يشعرون «كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ » (يونس 45) أو « كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا» (النازعات 46).

يعتمد تقليد سؤال القبر أساسًا على مقطعَين قانونيَّين:

- «وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ» (التوبة 101).

 

- « قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ» (غافر 10).

لا شكّ في أنّ هذا التقليد الّذي ليس من القرآن أثار اعتراضًا في التفسير، في حين أنّه جزء متين من التقوى الشعبيّة. إنّ أوّل مَن رفض هذا الاعتقاد هو المعتزلة في النصف الأوّل من القرن الثامن الميلاديّ، تيّارهم قريب من تيّار محمّد عبده (1849-1905) الّذي رفض سؤال القبر ورفض عذاب القبر.

تقول المعتزلة إنّنا حين نراقب المتوفّين لا نلاحظ أثرًا للإحياء ولا ما يليه من سؤال. وهذا يخالف التفسير الحرفيّ للآيات القرآنيّة المذكورة، الّتي يبدو أنّها تتكلّم على العقاب في القبر. فنحن لا نقبل المعنى الحرفيّ للقرآن الكريم إذا خالف الاختبار والعقل. في الحالة الأخرى، علينا أن نفهمه بالمجاز. فيجب الإيمان بواجب كلّ شخصٍ أن يُحاسَبَ أمام الله على أفعاله، وبموجب حسابه الأخلاقيّ يُكافأ أو يُعاقَبُ في الآخرة.

هناك أيضًا تقاليد مختلفة في شأن إقامة النفس بين الموت والقيامة. فبحسب أحد النصوص، تظلّ النَفسُ بالقرب من القبر حتّى يوم القيامة: «هوذا مكانك حتّى يوم القيامة، لأنّ الله سيقيمك». وتنال النفس هناك بحسب استحقاقاتها عقابًا أو ثوابًا كمذاقٍ أوّليٍّ لما ينتظرها يوم الحشر بعد القيامة.

ويقول نصّ آخر إنّ جميع المؤمنين يصلون إلى الفردوس قبل يوم الدين: «فنفس المؤمن كعصفورٍ يقف على شجر الجنّة حتّى يقيم الله جسده يوم القيامة».

ونظرًا إلى عمر هذه التقاليد، يتمسّك بها كثير من المفسّرين «بلا كيف»، أي: «نؤمن بها ولكنّنا لا نكفّ عن السؤال كيف يمكن هذا».

 

بيد أنّ المعتزلة يستندون إلى طرح بعض رفاق النبيّ محمّد (صلعم) وخلفائه الّذين يكتفون بالإشارة، في مجادلة الأمور الأخيريّة: «إنّ أرواح المؤمنين قريبة من الله»، من دون أن يضيفوا شيئًا. هذا هو أمر التقليد.

القرآن لتخطّي حدود الموت

مهما كان موقفنا من التقليد التقويّ، علينا أن ننتبه انطلاقًا من هذه النصوص إلى أنّ هناك يقينٌ شديد بأنّ الإنسان سيقابل الله، وأنّ حدود الموت لا قيمة لها عند الله، وأنّ الموت ليس نهاية، بل هو بدايةٌ جديدة.

على الرغم من التصويرات المزيَّنَة للجنّة، الّتي علينا أن نفهمها كأمثال، كما تقول سورة محمّد 15 في القرآن الّتي تتكلّم على اللقاء مع الله. فهي حذرة ومعتدلة، وكأنّ القرآن الكريم يريد أن يبيّن أنّ تخطّي الموت بقوّة الله ورحمته لا يحتاج إلى إعلانٍ أو إشارةٍ خاصّة.

 

وفي الواقع فإنّ الإيمان بالقيامة من أجل حياةٍ أبديّة في الإسلام، والإيمان «بيوم الحشر» من أجل الثواب أو العقاب، هو إيمانٌ أساسيّ. وقد كتب المصلح محمّد عبده ( 1849- 1905) بوضوحٍ في كتابه التوحيد:

«مَن اعتقد بالكتاب العزيز وبما فيه من الشرائع العمليّة وعسر عليه فهم أخبار الغيب على ما هي عليه في ظاهر القول، وذهب بعقله إلى تأويلها بحقائق يقوم له الدليل عليها مع الاعتقاد بحياةٍ بعد الموت وثواب وعقاب على الأعمال والعقائد بحيث لا يُنقِصُ تأويله شيئًا من قيمة الوعد والوعيد، ولا ينقص شيئًا من بناء الشرعيّة في التكليف كان مؤمنًا حقًّا ... والأصل في ذلك أنّ الإيمان هو اليقين في الاعتقاد بالله ورسله واليوم الآخر بلا قيدٍ في ذلك إلّا احترام ما جاء به على ألسنة الرسل».

إنّ عبده يشرح هنا البند الخامس من قانون الإيمان الإسلاميّ الّذي يُعلن «القيامة بعد الموت والدينونة». فهذا البند يعتمد على صيغة اٌيمان الرسميّة في سورة البقرة: « ... وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ» (البقرة 177)، وسورة الروم: « فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (الروم 50).

فبحسب المفهوم الإسلاميّ، لا حاجة إلى بيئةٍ معيّنة أو مكانٍ في الحياة الآخرة لفهم معنى الرجاء الخلاصيّ: فالقرآن الكريم والتقليد لا يعطيان وصفًا للجنّة ولجهنّم؛ بل يتكلّمان بوضوحٍ من خلال الصور («حديقة الأبديّة، النار»)، إنّهما يريدان فقط الإشارة إلى شدّة الفرح أو الألم –لا إلى نوعيّتهما- كنتيجة مباشرة لعمل الإنسان، كما وُعِدَ البشر بهما وحدّدتهما عدالة الله.

فإذا قيل شيءٌ عن نوعيّة هذه المكافأة الفردوسيّة، فهذا يتمّ في التصوّر القرآنيّ التالي : « فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ » (السجدة 17)، ويشرح حديثٌ على لسان الرسول إنّ صلّى الله عليه وسلّم حضّر لعبده الصدّيق ما لا يتصوّره قلب إنسان (عن أبي هريرة بحسب الإمام البخاريّ وصحيح مسلم). [...]

 

تصوير الجنّة وهدفه

 

لا يستطيع الإنسان أن يتصوّر الفرح والألم إلاّ في علاقتهما مع خبرات حياته الشخصيّة ومعطيات العالم الملموس. ويقول محمّد حميد الله في هذا الشأن إنّ قالب التصريحات في شأن الجنّة والنار ومضمونهما يتكيّفان بالطبع مع انتظارات معاصري النبيّ محمّد وقدرتهم التخيّليّة، فقد شبّهتا بأوضاعٍ من سباق ذلك العصر.

من الناحية الموضوعيّة، تذكّرنا هذه التصويرات كلّ ما يحيط بحياتنا الأرضيّة: الحدائق والأنهار والفتيات الحسان والسجّاد والحجارة الكريمة والفاكهة والخمر وكلّ ما يمكن أن يتمنّاه الإنسان. والأمر نفسه بالنسبة إلى جهنّم: النار والأفاعي والماء المغليّ وعذاباتٍ أخرى؛ وأيضًا صحارى جليديّة، ومع ذلك (!!) ما من موت.

فحتّى وإن لم تعد هذه الصور مألوفة لدينا يمكننا مع ذلك أن نشعر انطلاقًا منها بشدّةٍ تسعى إلى إيصال واقعٍ لا يخاطب العقل ولا التحليل المنطقيّ البارد، بل عالم المشاعر والأحاسيس. بيد أنّ الغاية تظلّ واضحة: نحن في مواجهة أداة خلاصٍ موضوعة في صور لتثبّت سلوكنا الأخلاقيّ والاجتماعيّ.

بهذه الطريقة يقول النبيّ بما معناه: حين يدنو الموت من مؤمنٍ فهو له خبر سارّ من الله الرحمن الرحيم. فما يفضّله على كلّ شيءٍ يناله. إنّه يشتهي لقاء ربّه والله يشتهي لقاءه. بيد أنّ الكافر يرى في هذا الخبر عقابًا آتيًا، ولا شيء أرهب ممّا سيناله. ففكرة لقاء الله تعذّبه كما أنّ احتمال هذا اللقاء يعذّب الله. فأهل جهنّم يرون قامتهم تطول حتّى إنّ المسافة بين شحم آذانهم ورقابهم تصير كسفرٍ يدوم سبعمئة سنة ولجلدهم طول سبعين ذراعًا وأضراسهم كجبل أُحُد (ابن عمر بحسب مسند أحمد).

حين نفكّر بأنّ الجسد البشريّ، وخصوصًا جلدة الرأس، هشّ البنية، يمكننا أن نتصوّر أثر هذه التصريحات في المعاصرين [...]

وأخيرًا يقول التقليد عن سكّان الجنّة إنّ أوضع الناس بينكم في الجنّة هو مَن يقول الله له تمنّى فيتمنّى أمنياتٍ كثيرة ... فيقول الله له إنّه سنال مراده، فينالها كلّها وأزود (أبو هريرة ومسلم).

 

رؤية الله

 

إنّ مفتاح فهم العلاقة مع الخلاص الّذي ينتظره الصدّيقون في نهاية الطريق موجود في الآية التالية: « لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (يونس 26). ويذكر التقليديّون أمثال الإمام مسلم ومحمّد أبو عيسى الترميزيّ أنّ النبيّ محمّد (صلعم) استند إلى هذه الآية القرآنيّة حين قال إنّ «مشاهدة الله» هي أسمى ثوابٍ للمؤمنين. ويقول حديث إنّ الله سيظهر لكلّ الموجودين في يوم الحشر، وسيرونه كما نرى البدر طوال الليل حين يضيء ببهائه.

إنّ الغاية الأخيرة الّتي يسعى المسلمون إليها هي «الاتحاد بالله»، «رؤية الله». فالقرآن الكريم يقول: « إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ » (القيامة 23). إنّه، بحسب سورة التوبة: « الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » (التوبة 72)، دار السلام الأبديّ، نهاية الصراط المستقيم (يونس 25). ويعد الله للنصر على الموت: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي» (الفجر 27-30).

وبالعكس، ورد في سورة البقرة عن الهالكين: «وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (البقرة 74)؛ وأيضًا «إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ» (المطفِّفين 16). لكنّ هذا النبذ ليس أبديًّا. يقول النبيّ إنّه سيأتي يومًا إلى جهنّم حيث ستصفق أبوابه، ولن يكون فيه أحد (عن عبد الله بن الآس، بحسب مسند أحمد).

إضافةً إلى كلّ التقاليد والوعود، هناك دعوة الله إلى الاعتصام بالحياة الحقّة: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» (الأنفال 24).

)هذا المقال مُستلّ من:

 

Muhammad Salim Abdullah, Islam – Für das Gespräch mit Christen. Altenberge: 

Verlag für Christlich-Islamisches Schrifttum, 1988, p. 82-93)

 

2- وجهة النظر المسيحيّة

 

القيامة من بين الأموات والحياة الأبديّة

من الأشخاص مَن يموتون مسنّين بعد حياةٍ مملوءة تمامًا. وهناك أيضًا أطفال وشباب يموتون من المرض أو الجوع أو البرد  أو من جرّاء حوادث أو كوارث. ويعلم الله وحده كم من الناس يموتون بسبب لامبالاة المحيطين بهم الّذين لا يريدون أن يشاركونهم خبزهم أو أدويتهم أو بلدانهم أو بيوتهم، أو بسبب عنف الّذين يفضّلون شنّ الحروب على الاهتمام بالسلام.

حين يقول المسيحيّون إنّهم يؤمنون بقيامة الأموات والحياة الأبديّة، فهذا لا يعني أنّهم يسعون إلى الهروب من الموت والألم.

والمسألة ليست في نظرهم تعزية قريبهم البائس والمنبوذ بكلماتٍ تعدهم بحياةٍ أفضل بعد الموت.

حين يقول المسيحيّون إنّهم يؤمنون بقيامة الأموات والحياة الأبديّة فإنّهم يريدون القول: «نؤمن إيمانًا ثابتاً، وبالتالي نرجو، أنّه كما أنّ المسيح قام حقًّا من بين الأموات، وأنّه يحيا على الدوام، كذلك الصدّيقون سيحيون بعد موتهم على الدوام مع المسيح القائم، وأنّه سيقيمهم في اليوم الأخير (راجع يوحنّا 6: 39-40)» (تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة 989). فالمسيحيّون يؤمنون بأنّهم مدعوّون إلى أن يعيشوا بكلّ كيانهم الممجَّد حياة أجمل بكثيرٍ ممّا يمكنهم أن يتخيّلوها أو يحلموا بها، لأنّ الله نفسه سيعطيهم إيّاها.

 

إنّ الله ليس إله أموات

 

إنّ أسفار الكتاب المقدّس مملوءة بالقصص. والبشر يتكلّمون فيها على مشاريعهم وأهدافهم؛ على أفراحهم حين تسير الأمور على ما يرام، وأحزانهم وخيبات آمالهم حين تحلّ البلوى عليهم؛ على الشرّ الّذي يقترفونه والشرّ الّذي يتحمّلونه. إنّهم يتساءلون: لمَ نحن على الأرض؟ ما نفع الجهود المبذولة وكلّ واحدٍ يعرف تمام المعرفة أنّه سيموت؟ لمَ يعيش فلان حياةً طويلة وآخر يموت حتّى قبل أن تبدأ حياته حقًّا؟ ولا يجد الإنسان بنفسه إجاباتٍ مقنعة عن أسئلةٍ من هذا النوع.

إنّ البشر الّذين يروي الكتاب المقدَّس لنا تاريخهم يعون محدوديّاتهم، ويختبرون في الآن نفسه رجاءً يتخطّى هذه المحدوديّات. إنّهم يشعرون بأنّهم منفتحون على الله، وفيه يضعون رجاءهم.

وقد أكّد يسوع في تبشيره أنّ الأموات سيقومون. فبعد موت صديقه لعازر قال لأخته مرتا ما يكرّر قوله لكلّ رجلٍ وامرأة يبكيان عند قبر أخٍ أو أخت: «أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا» (إنجيل يوحنّا 11: 25).

وفي يوم الفصح أظهر الله بيسوع المسيح أنّه أقوى من الموت. فقبر يسوع فارغ ويسوع القائم من بين الأموات ظهر لتلاميذه وأراهم يديه ورجليه المثقوبة بمسامير الصلب وقال: «أُنظُروا إِلى يَدَيَّ وقَدَميَّ. أَنا هو بِنَفْسي» (لوقا 24: 39).

ومنحتهم قيامة يسوع يقينًا بأنّنا سنقوم نحن أيضًا معه كما يؤكّد القدّيس بولس: « فإِذا كانَ الرُّوحُ الَّذي أَقامَ يسوعَ مِن بَينِ الأَمواتِ حالاًّ فيكُم، فالَّذي أَقامَ يسوعَ المسيحَ مِن بَينِ الأَموات يُحْيي أَيضًا أَجسادَكُمُ الفانِيةَ بِرُوحِه الحالِّ فيكُم» (الرسالة إلى أهل رومة 8: 11).

 

ويعلن يسوع ويقول: «لا تَعجَبوا مِن هذا فتَأتي ساعةٌ فيها يَسمَعُ صوتَه جَميعُ الَّذينَ في القُبور فيَخُرجونَ مِنها أَمَّا الَّذينَ عَمِلوا الصَّالحات فيَقومون لِلحيَاة وأَمَّا الَّذينَ عَمِلوا السَّيِّئات فيقومونَ للقضاء» (إنجيل يوحنّا 5: 28-29).

كيف سنقوم من بين الأموات؟

إنّ لغتنا وكلماتنا تشير إلى هذا العالم وواقعه، ونفتقر إلى كلماتٍ تلائم عالم الله وواقعه. وقد اختبر المسيحيّون الأوّلون هذا حين تساءلوا: كيف ستتمّ قيامة الأموات؟ ما هو مصير الجسم الّذي يتحلّل في القبر؟ هل يظلّ شخص معوق معوقًا بعد القيامة؟ هل الطفل الّذي يموت يصير بالغًا في السماء؟ ما هو حال كلّ الّذين ماتوا وسيموتون في الرجاء بالله والإيمان بيسوع المسيح؟

 

أمام هذه التساؤلات وتساؤلاتٍ أخرى كثيرة، ليست لدينا إجابة أفضل من رؤية يسوع القائم من بين الأموات والممجَّد، الّذي يحمل في الآن نفسه آثار الجروح على جسده علامةً على حبّه الكبير الّذي بذل به حياته لأجلنا. فالقبر الفارغ وآثار المسامير من جهة، والظهور الجديد الغامض ليسوع القائم من بين الأموات من جهةٍ أخرى، تمكّننا من التأكيد بأنّ الموتى يقومون بأجسادهم، وسيكون في الآن نفسه مختلفًا لأنّه ممجّدًا، تمامًا مثل حبّة الحنطة الّتي سقطت على الأرض تتحوّل بالموت لتأتي بثمر (راجع يوحنّا 12: 24).

 

«ما معنى «القيامة»؟ في الموت، الّذي هو انفصال النفس والجسد، يسقط جسد الإنسان في الفساد، فيما تذهب النفس لملاقاة الله، على أنّها تبقى في انتظار اتّحادها من جديد بجسدها الممجَّد. فالله، في قدرته الكلّيّة، سوف يعيد الحياة غير الفاسدة لأجسادنا موحّدًا إيّاها بنفوسنا، بفضل قيامة المسيح» (تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة، 997).

أمام السرّ الّذي يحيط بالحياة، وأمام الحبّ الّذي يعتمد «على الله القدير»ش، كتب القدّيس بطرس لجماعة قورنتُس: «... ما لم تَرَهُ عَيْنٌ ولا سَمِعَت بِه أُذُنٌ ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَر، ذلكً ما أَعدَّه اللهُ لِلَّذينَ يُحِبُّونَه» (الرسالة الأولى إلى أهل قورنتُس 2: 9).

 

نحن نعطي جسد الربّ القائم من بين الأموات غذاءً لجسدنا حين نشارك في الإفخارستيّا. فالإفخارستيّا ضمان للحياة الأبديّة. «فتناول الإفخارستيّا يعطينا مذاقًا أوّليًّا لتمجيد جسدنا بالمسيح» (تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة 1000).

«مَن أَكل جَسَدي وشرِبَ دَمي فلَه الحَياةُ الأَبدِيَّة وأَنا أُقيمُه في اليَومِ الأَخير» (إنجيل يوحنّا 6: 54).

فبانتظار القيامة، فإنّ أجساد المؤمنين ودمائهم تشارك منذ الآن بكرامة «الانتماء إلى المسيح». ومن هنا تنبع فريضة أن يحترم الإنسان جسده وجسد الآخر، خصوصًا المتألّم (راجع تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة 1004).

« أَمَّا الجَسَد ... فهو لِلرَّبِّ والرَّبُّ لِلجَسَد. وإنَّ اللهَ الَّذي أَقامَ الرَّبَّ سيُقيمُنا نَحنُ أَيضًا بِقُدرَتِه أَما تَعلَمونَ أَنَّ أَجسادَكُم هي أَعضاءُ المسيح؟ ... إَنَّكُم لَستُم لأَنفُسِكُم ... فمجِّدوا اللهَ إِذًا بِأَجسادِكم» (الرسالة الأولى إلى أهل قورنتُس 6: 13-15، 19-20).

 

المسيحيّون والموت

 

الموتُ يخيف الناس، حتّى الّذين يثقون بالله، لأنّ الموت يعني تركًا وانفصالًا. فكلّ ما فعلته الحياة في الإنسان، أملاكه وأصدقاءه، يجب تركه. فكلّ واحدٍ يعيش موته وييموت بيدَين فارغتَين.

ما من إنسانٍ فانٍ عليه أن يخجل من خوفه. فيسوع على الصليب استنجد بأبيه. وكلّ إنسانٍ يستطيع وهو يموت أن يستنجد به حين تقترب ساعته. وكاللصّ الّذي صُلِبَ مع يسوع، يستطيع كلّ واحدٍ أن يضع ثقته التامّة بالمخلِّص فيجيبه: «الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس» (إنجيل لوقا 23: 43).

فالمنازع يستطيع أن يكون واثقًا مع يسوع بأنّ رحمة الله ستغيّر كلّ قلقٍ إلى فرح وستملأ الأيدي الفارغة. «فبالنسبة إلى الّذين يموتون في نعمة المسيح، الموت هو استقبال في موت المسيح، من أجل المشاركة بقيامته» (تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة 1006).

 

يؤمن المسيحيّون بأنّ الله يأتي إلى لقائهم حين يموتون. فالعيون الّتي أغلقها الموت تنفتح. إنّهم يقفون أمام الله، كلّ واحدٍ مع تاريخه الشخصيّ ومحبّته وإثمه، مع كلّ الخير الّذي فعله والشرّ الّذي اقترفه: حبًّا لله والقريب أو حبًّا بالخراب الّذي ولّده. ويؤمنون بأنّ هذا اللقاء حاسم. فأنبياء إسرائيل ويسوع نفسه يتحدّثون عن هذه الخبرة على أنّها دينونة. فنظرة الله ترى حتّى عمق الأعماق. لا يمكننا أن نخبّئ شيئًا أمامه ولا أن نجمِّلَ شيئًا. فهو البارّ بمقدارٍ لا متناهٍ يعرف أنّنا ضعفاء ويأخذ هذا الأمر في عين الاعتبار. هو اللامتناهي في رحمته يرى هل نقرّ متواضعين بضعفنا وهل ننتظر من رحمته كلّ شيء. في هذه الدينونة، يتمّ الإدلاء بالحكم: الثواب أو العقاب، السعادة أو التعاسة، حضن إبراهيم أو النار الأبديّة، التسبيح أو النحيب وصرير الأسنان (راجع متّى 8: 12)، الرقص في قاعة العرس أو الطرق عبثًا على الباب المغلق (راجع متّى 25: 1-13). إنّها صور لا تتركنا لا مبالين، فهي تروي للناس الّذين على الطريق كي يهتدوا ويغيّروا حياتهم ويتقوّوا بمحبّة المسيح في الإيمان والرجاء والمحبّة.

 

«من أجل المؤمنين يا ربّ، فإنّ حياتهم تحوّلت ولم تُنتزَع. وحين تسقط خيام حجّنا الأرضيّ، هناك سكن أبديّ محضَّر لنا» (مقدّمة قدّاس الأموات».

 

الموت: إنّه نهاية الحياة الأرضيّة وبداية الحياة الأبديّة: تنفصل النفس عن الجسد الفاني. إنّها تلتقي الله في الدينونة الخاصّة. وفي اليوم الآخر، حين يعود يسوع في مجده، يقوم جميع الأموات، وستعود أنفسهم ثانيةً إلى أجسادهم، أرواح الصدّيقين في أجسادٍ نيّرة وممجَّدة، وأرواح الملعونين في أجسادٍ مرهقة من الألم والعذاب.

الدينونة: نميّز بين الدينونة الخاصّة (دينونة الأفراد) والدينونة الأخيرة. الدينونة الخاصّة تتبع الموت مباشرةً. إنّها تقرّر الانتماء الأبديّ إلى جماعة المختارين أو الطرد النهائيّ من هذه الجماعة.والدينونة تتمّ بحسب ما بذله كلّ واحدٍ من جهدٍ في أثناء حياته الأرضيّة لإتمام مشيئة الله والإيمان بيسوع المسيح.

هذه الدينونة نهائيّة أمّا الدينونة الأخيرة فترتبط باليوم الآخر، يوم مجيء المسيح الّذي يعود ليكشف بالملء ملكوت الله الّذي هو ملكوته. في ذلك اليوم يقوم جميع الأموات وتحضر جميع الشعوب أمام المسيح، فيُدانُ كلّ واحدٍ روحًا وجسدًا (راجع إنجيل متّى 25: 32).

 

الإدانة: تُقاس الإدانة بحسب حرّيّة إرادة الإنسان في أثناء حياته الأرضيّة. فمَن انفصل عن الله عن عزمٍ وإرادةٍ ليس له مكان بين المختارين، ومصيره مصير المنبوذين «إِلى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعدَّةِ لإِبليسَ وملائِكَتِه» (إنجيل متّى 25: 41). إنّها جهنّم. ومَن كان مع الله والمسيح ابنه ولكنّهم ليسوا مستعدّين بعدُ للقائه بعد موتهم، يقضون فترة تنقية وانتظارٍ ينضجون فيه، وهو ما نسمّيه «المطهر».

 

إنّهم ينتظرون هناك راجين الدخول في ملء الشراكة مع الله. وتساعدهم في ذلك صلوات المؤمنين. إنّ كلمات المسيح تنطبق على المُبعَدين الّذين تركوا محبّة المسيح تدخل فيهم وتحوّلهم في أثناء حياتهم الأرضيّة: « تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم» (إنجيل متّى 25: 34). إنّهم يرون الله كما هو، ويشبهونه (راجع الرسالة الأولى ليوحنّا 3: 2)؛ إنّهم يعيشون إلى الأبد في شراكةٍ معه. إنّهم «في السماء».

 

الحياة الأبديّة

 

إنّها نهاية خوف الإنسان حتّى من ضعفه؛ أن يكون الإنسان الّذي يتمنّاه الله فيناديه باسمه؛ العيش بالقرب من الله؛ العيش في الملء وإلى الأبد، لا في هدوءٍ أبديّ بل في ملء سلامٍ لا يمكن تصوّره وفي النور والحبّة. فمَن يستطيع التعبير بدقّةٍ عمّا سيكون؟

 

 كتب أحد كبار آباء الكنيسة، وهو القدّيس أوغسطينُس ما يلي: «... سنصير هناك كلّنا أحرارًا وسنرى، سنرى ونحب، وسنحبّ ونقول شكرًا. أترو؟ هذا ما سيحدث في النهاية الّتي لا نهاية لها».

يتكلّم أنبياء إسرائيل والقدّيس يوحنّا، النبيّ المسيحيّ الّذي تكلّم على آخر الأزمنة، بلغةٍ تصويريّة على البعد الّذي ستتّخذه حياتنا الجديدة. إنّهم لا يتحدّثون عن السماء كمكانٍ غير محدَّد في موضعٍ ما وراء الغيوم. السماء هي حيث الله يكون، وحيث يعيش الناس كشعبه. الأرض القديمة الآثمة الّتي أفسدها الناس اختفت. وأرضٌ جديدة تصير موطنًا للبشر، أرض كما أرادها الله، ينيرها المسيح القائم من بين الأموات. عالم يعيش فيه الناس، أي شعبه، بالقرب منه فيغمرهم الفرح لرؤيتهم الله: إنّه هو نفسه نورهم وحياتهم، فلا حاجة إلى شمسٍ أو قمر. ولن يكون في أورشليم الجديدة بيت من حجر ولا هيكل للقاء الله، لأنّ الربّ هنا يقيم مع الناس.

 

ستكون أرضًا جديدة خصبة يستطيع الكتاب المقدَّس أن يصفها بكمّيّةٍ من الصور: الينابيع تتدفّق في الصحراء؛ الأشجار تنمو وتثمر اثنتي عشرة مرّة في السنة. عالم ليس فيه ما يهدِّد الكائنات الحيّة: يسكن الذئب مع الحَمَل، ويعيشان معًا من دون أن يكون الواحد تهديدًا للآخر. والرضيع يُدخِلُ يده في جحر الأفعى فلا تلسعه (راجع أشعيا 11: 6-8). ويكتشف الناس ما تعنيه كلمة ملء الكائن البشريّ وكاله. لن يكون هناك مرض ولا موت ولا عزلة ولا حزن ولا دموع ولا كراهية ولا عداوة ولا قمع.

 

 هناك أيضًا صور أخرى – وبدون شكٍّ لن تكون كميّتها كافية – تصف الملء: عيون العميان تنفتح، وآذان الصمّ تسمع، والعرج يطفرون كالأيل، وألسنة البكم تلهج فرحًا (راجع إرميا 35: 5-6). السيوف والرماح تصير عديمة النفع؛ فتتحطّم لتتحوّل إلى سكك عرباتٍ ومناجل للكرّامين. لن يفكّر أحد بالحرب.وكلّ واحدٍ يستطيع أن يجلس تحت كرمته أو تينته ولا يزعجه أحد (راجع ميخا 4: 3-4). وسيمسح الله نفسه الدمع عن عيون المتألّمين. كلّ ما كان سيزول حقًّا. «ويُشاهِدونَ وَجهَه، ويِكونُ اسمُه على جِباهِهم» (رؤيا يوحنّا 22: 4).

القدّيس يوحنّا، الرائي، كتب الكتاب الأخير في العهد الجديد، كتاب الرؤيا. إنّه أسرار الله الّتي «كُشِفَت» ليوحنّا في رؤيا: انتصار الله وابنه المسيح وهزيمة أعدائه؛ الخلاص الأبديّ، سعادة البشر الّذين يقيمون بالقرب من الله أبديًّا.

« تَباركَ اللّهُ أَبو رَبِّنا يسوعَ المسيح

فقَد بارَكَنا كلَّ بَرَكَةٍ روحِيَّة

في السَّمَواتِ في المَسيح

ذلِك بِأَنَّه اختارَنا فيه قَبلَ إِنشاءِ العالَم

لِنَكونَ في نَظَرِه قِدِّيسينَ

بِلا عَيبٍ في المَحبَّة

وقَدَّرَ لَنا مُنذُ القِدَم

أَن يَتَبنَّانا بِيَسوعَ المسيح

على ما ارتَضَته مَشيئَتُه

لِلتَّسْبيحِ بِمَجدِ نِعمَتِه

الَّتي أَنعَمَ بِها علَينا في الحَبيب

فكانَ لَنا فيه الفِداءُ بدَمِه

أَيِ الصَّفْحُ عنِ الزَّلّات

على مِقدارِ نِعمَتِه الوافِرة 

الَّتي أَفاضَها علَينا

بِكُلِّ ما فيها مِن حِكمَةٍ وبَصيرة 

فأَطلَعَنا على سِرِّ مَشيئَتِه

أَي ذلِك التَّدبيرِ الَّذي ارتَضى

أَن يُعِدَّه في نَفْسِه مُنذُ القِدَم 

لِيَسيرَ بِالأَزمِنَةِ إِلى تَمامِها

فيَجمعَ تَحتَ رأسٍ واحِدٍ هو المسيح كُلَّ شَيء

ما في السَّمواتِ وما في الأَرْض. 

وفيه أَيضًا جُعِلْنا وَرَثَة

وقد كُتِبَ لَنا

بِتَدْبيرِ ذاكَ الَّذي يَفعَلُ كُلَّ شَيءٍ

كما تُريدُه مَشيئَتُه 

أَن نَكونَ مَن سَبَقَ

أَن جَعَلوا رَجاءَهم في المسيح 

لِلتَّسْبيحِ بِمَجْدِه

وفيه أَنتُم أَيضاً سَمِعتُم كَلِمَةَ الحَقّ 

أَي بِشارةَ خَلاصِكم

وفِيه آمنُتُم فخُتِمتُم 

بِالرُّوحِ المَوعود، الرُّوحِ القُدُس 

وهو عُربونُ مِيراثِنا

إِلى أَن يَتِمَّ فِداءُ خاصَّتِه 

لِلتَّسْبيحِ بِمَجدِه.» 

(رسالة بولس إلى أهل أفسس 1: 3-14).

)هذا المقال مُستلّ من:

 

ICH GLAUBE: Kleiner Katholischer Katechismus.  Königstein i. T.: Kirche in Not, 2004. S. 105-113.)

Contact us

J. Prof. Dr. T. Specker,
Prof. Dr. Christian W. Troll,

Kolleg Sankt Georgen
Offenbacher Landstr. 224
D-60599 Frankfurt
Mail: fragen[ät]antwortenanmuslime.com

More about the Authors?