German
English
Turkish
French
Italian
Spanish
Russian
Indonesian
Urdu
Arabic
Persian

الأخلاق والتعليم الاجتماعيّ

السلوك القويم

 

المثاليّة المسيحيّة

 

ليس للكنيسة المسيحيّة أيّ نظامٍ لشريعةٍ شاملة تحدِّد السلوك القويم. فعلى الرغم من أنّ بعض المجموعات في تاريخ الكنيسة سعت إلى وضع شريعةٍ منهجيّة للسلوك، لم تقبل الكنيسة بمجملها أبدًا هذه الشريعة. هناك ثلاثة أسبابٍ تجعل المسيحيّين لا يرتبطون بنظام شريعة ينظّم سلوكهم:

 

1- يعلّم يسوع المسيح ويقول: «أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهِنكَ. تِلكَ هي الوَصِيَّةُ الكُبرى والأُولى. والثَّانِيَةُ مِثلُها: أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ. بِهاتَينِ الوَصِيَّتَينِ تَرتَبِطُ الشَّريعَةُ كُلُّها والأَنِبياء» (متّى 22: 37-40). فالمحبّة مفتاح كلّ أخلاقٍ مسيحيّة. والمحبّة الحقيقيّة للقريب تأتي من القلب فقط، ولا يمكن اختزالها بقواعد محدَّدة، لأنّها موقف داخليّ. هذا هو أساس السلوك المسيحيّ: محبّة الآخرين.

 

2- إنّ الروح القدس حاضر فينا ليرشدنا إلى طريق الصلاح. فقبل أن يُصلَبَ يسوع وعد بأن يرسل الله الروح القدس بعد أن يصعد هو إلى السماء. وهذا الروح «... أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه ...» (يوحنّا 16: 13). ووعد يسوع أيضًا بأنّ الروح القدس «... مَتى جاءَ أَخْزى العالَمَ على الخَطيئِة والبِرِّ والدَّينونَة» (يوحنّا 16: 8). فالروح القدس هو حضور الله الشخصيّ في خبرة المؤمن المسيحيّ وخبرة الكنيسة. والروح القدس يرشد المؤمن والكنيسة في الحقّ والصلاح. فمن المستحيل أن نختزل في بنودٍ رسميّةٍ أخلاقيّة هذا النوع من اللقاء الشخصيّ مع الله، وهو الصلاح الكامل. فالصلاح المسيحيّ ينبع من علاقة التتلمذ لله. ولا يمكن وضعه في بنود، لأنّ العلاقة شخصيّة جدًّا.

 

3- إنّ حضور الروح القدس في حياة المسيحيّ يعيد خلق صورة الله الّتي تخرّبت حين ابتعد الإنسان عن الله. إنّه خلق جديد في الصلاح للشخص الّذي يهمّه أمر الله. فالطاعة العمياء للشريعة لا تخلق الشخص. فأفكاره تظلّ شرّيرة حتّى وإن سعى خارجيًّا إلى أن يبدو إنسانًا صالحًا. وقد اهتمّ يسوع اهتمامًا شديدًا بالإنسان الداخليّ لأنّ الصلاح أو الشرّ ينبع من هناك. لهذا السبب وبّخ يسوع رياء الرؤساء الدينيّين في أيّامه وقال: 

«الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون، فإِنَّكم تُطَهِّرونَ ظاهِرَ الكَأسِ والصَّحْن، وداخِلُهما مُمتَلِئٌ مِن حَصيلَةِ النَّهْبِ والطَّمَع. أَيُّها الفِرِّيسيُّ الأَعمى، طَهِّر أَوَّلاً داخِلَ الكَأس، لِيَصيرَ الظَّاهِرُ أَيضاً طاهراً» (متّى 23: 25-26).

وفي العهد الجديد هناك إلحاح شديد على الحاجة إلى التغيّر، الولادة من جديد، أن يتشبّه داخل الشخص بالمسيح. فقد كتب الرسول بولس بإلهامٍ من الروح القدس:

 

«أَي أَن تُقلِعوا عن سيرَتِكمُ الأُولى فتَخلَعوا الإِنسانَ القَديمَ الَّذي تُفسِدُه الشَّهَواتُ الخادِعة، وأَن تَتَجدَّدوا بِتَجَدُّدِ أَذهانِكمُ الرُّوحِيّ، فَتَلبَسوا الإِنسانَ الجَديدَ الَّذي خُلِقَ على صُورةِ اللهِ في البِرِّ وقَداسةِ الحَقّ» (أفسس 4: 22-24).

 

إنّ الشخص المولود ثانيةً، الّذي يعيش بإرشادٍ من الروح القدس، يحتاج إلى مبادئ تساعده على معرفة هل يعيش حقًّا «على مثال الله في الصلاح والقداسة». فما هي مبادئ الصلاح الّتي كشف الروح القدس عنها من خلال الأنبياء في الماضي؟ وا هي مبادئ الصلاح الّتي علّمها يسوع المسيح؟ ما هي سمات الحقّ الّتي يكشفها الروح القدس لشعب العهد في أيّامنا؟ سوف ندرس الإجابات عن هذه الأسئلة بالنظر بإيجازٍ إلى بعض التعاليم الأخلاقيّة الأساسيّة الّتي كُشِفَت لنا من خلال كلٍّ من النبي موسى وحياة يسوع المسيح وتعاليمه.

 

إنّ غالبيّة التوراة هي تعاليم عن السلوك القويم والعبادة أوحي الله بها لموسى النبيّ. وكلّ مبادئ السلوك القويم هذه تُختصَرُ في الوصايا العشر الّتي أوحى الله بها للنبيّ في عهد جبل سيناء (خروج 20: 1-17). وخلاصة هذه الوصايا هي ما يلي:

1- لا يكن لك إله غير الله الواحد الحقيقيّ.

2- لا تصنع لك صورةً.

3- لا تستعمل اسم الربّ إلهك باستخفاف.

4- اذكر اليوم السابع في الأسبوع واحفظه مقدَّسًا.

5- أكرم أباك وأمّك.

6- لا تقتل.

7- لا تزنِ.

8- لا تسرق.

9- لا تتكلّم بالكذب على قريبك.

10- لا تشتهٍ أيّ شيءٍ لقريبك.

 

يقرّ المسيحيّون في كلّ مكانٍ بأنّ هذه الوصايا العشر صحيحة. وعلى كلّ المسيحيّين أن يكونوا أوفياء للمبادئ الموحاة في الوصايا العشر. فهي مؤسَّسة على مبدأ محبّة الله والقريب.

ويكشف الله في مكانٍ آخر من التوراة أنّه ينبغي لنا أن نحبّ الله وقريبنا (التثنية 6: 4؛ اللاويّين 19: 18). وحين ظهر يسوع المسيح، أشار إلى أنّ وصيّة المحبّة هي أعظم الوصايا، وأنّ كلّ الوصايا الأخرى في الكتاب المقدَّسِ تُختصَرُ في شريعة المحبّة. ويقول يسوع «بِهاتَينِ الوَصِيَّتَينِ [محبّة الله ومحبّة القريب] تَرتَبِطُ الشَّريعَةُ كُلُّها والأَنِبياء» (متّى 22: 40). لهذا السبب أوصى يسوع تلاميذه وقال: «... أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً كما أَحبَبتُكم» (يوحنّا 15: 12). لقد علّم يسوع المسيح الشعب من خلال حياته وأقواله معنى المحبّة.

فقد استقبل الخطأة وغفر لهم. وعبّر بغفرانه لمَن صلبوه عن قمّة كشف المحبّة. وليست أفعاله وحدها تكشف محبّته، بل تعاليمه أيضًا.

 

ذات يوم، صعد يسوع مع تلاميذه إلى جبلٍ بالقرب من بحر الجليل، وعلّمهم المبادئ الأخلاقيّة المؤسَّسة على المحبّة. وشرح لهم أنّ الصلاح الحقيقيّ يرتبط بعلاقةٍ داخليّة مع الله. ويُدعى هذا التعليم الموعظة على الجبل، وهي مدوّنة في إنجيل متّى في الفصول: 5-7.

بدأ يسوع المسيح عظته بالقول: «طوبى لِفُقراءِ الرُّوح فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات» (متّى 5: 3). فالمسيحيّون يؤمنون بأنّ الملكوت هو «... برٌّ وسَلامٌ وفَرَحٌ في الرُّوح القُدُس» (رومة 14: 17). ويقول يسوع المسيح إنّ «الفقراء» بالروح يدخلون أو يرثون هذا الملكوت. وحدهم الّذين يقرّون بأنّهم خطأة، يقرّون بأنّهم لا يعيشون بتبعيّةٍ صادقة لله ويريدون الغفران؛ هؤلاء الفقراء وحدهم يختبرون نعمة الله المخلِّصة. ففقراء الروح يريدون أن ينالوا الخلاص من خلال يسوع المسيح. إنّ هذا الشعب المحتاج يفتح حياته على قوّة الروح القدس الخلّاقة. إنّهم مَن يدخلون ملكوت الله.

يختبر «فقراء الروح هؤلاء» خلقًا داخليًّا جديدًا في مواقفهم الّتي تؤثّر في كلّ علاقاتهم. لقد أعطى يسوع أمثلةً على تغيير المواقف الّتي لا بدّ وأنّ الشعب الّذي دخل ملكوت السموات اختبرها. هيذي عدّة أمثلةعمّا قاله:

السلام (متّى 5: 21-26): 

نقرأ في الوصايا العشر: «لا تقتل». ولكنّ يسوع المسيح يعلّم أنّ الكره خطأ أيضًا. فالكره يقود الناس إلى القتل. فعلينا أن نتحرّر من الموقف الشرّير تجاه الآخرين. يقول يسوع: «مَن غَضِبَ على أَخيهِ استَوجَبَ حُكْمَ القَضاء» (متّى 5: 22).

الزواج (متّى 5: 27-32): 

تقول إحدى الوصايا «لا تزنِ» (خروج 20: 14). لكنّ يسوع يقول إنّ أيّ اشتهاءٍ لامرأة ليست زوجة المشتهي هو زنى. يقول: «مَن نظَرَ إِلى امرأَةٍ بِشَهْوَة، زَنى بِها في قَلبِه» (متّى 5: 28). فالزنى يدمّر الزواج ويدمّر الشخص أيضًا. إنّه شرّ رهيب. لهذا السبب يقول يسوع إذا عرّضكَ أيّ جزءٍ من الجسد للتجربة كالعين مثلًا، من الأفضل أن تُقلَعَ العين بدل الرضوخ للتجربة. «فَلأَنْ يَهلِكَ عُضوٌ مِن أَعضائِكَ خَيرٌ لكَ مِن أَن يَذهَبَ جسدُكَ كُلُّه إِلى جَهنَّم» (متّى 5: 29).

وعلّم يسوع أيضًا أنّ الطلاق خطأ. «مَن طلَّقَ امرأَتَه، إِلاَّ في حالةِ الفَحْشاء عرَّضَها لِلزِّنى، ومَن تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةً فقَد زَنى» (متّى 5: 32). إنّ الطلاق شرّ لأنّه يقطع وحدة الزواج الّتي خطّط الله لها. حين خلق الله آدم وحوّاء نقرأ أنّهما صارا «جسدًا واحدًا» (تكوين 2: 24). إنّ وحدة الجسد في الزواج هي معجزة نعمة الله. فيسوع يوصي: «فما جمَعَه الله فلا يُفرِّقنَّه الإِنسان» (متّى 19: 6). ويقول يسوع لقد سُمِحَ الطلاق لشعب العهد القديم لقساوة قلوبهم (متّى 19: 8). على الطلاق ألّا يكون بين شعب العهد الجديد، حيث الروح القدس حاضر في حياة المؤمنين والكنيسة ويخلق الحقّ والصلاح (متّى 5: 33-37).

 

وعلى الرغم من أنّ الكتاب المقدّس لم يمنع قطّ تعدّد الزوجات، فإنّ الكنيسة المسيحيّة لا تسمح به لأعضائها. وعلى الرغم من أنّ بعض رجال الله في العهد القديم تزوّجوا أكثر من امرأة، ما من واحدٍ من هذه الزواجات المتعدّدة موصوف في الكتاب المقدّس بأنّه مثاليّ، بل إنّ غالبيّتها موصوفة بأنّها محزنة. فتعدّد الزوجات يتلف اتّحاد الجسد الواحد في الزواج. فوحدة الجسد تتطلّب وفاءً تامًّا من شريك الزواج. فتزوّج المرأة من عدّة أزواج أو الرجل من عدّة نساءٍ يدمّر المعنى الداخليّ العميق للزواج، ألا وهو اتّحاد الجسد الواحد، الّذي يُدعى الزوج فيه إلى أن يحبّ زوجته حبّه لجسده، وتُدعى المرأة إلى أن تحترم زوجها احترامًا شديدًا. إنّ الكتاب المقدَّس يوصي في الواقع الزوج بأن يبذل نفسه في حبّ التضحية المؤلم في سبيل زوجته كما بذل المسيح نفسه في حبّ التضحية المؤلم في سبيل الكنيسة (أفسس 5: 21-33).

الصدق (متّى 5: 33-37): 

توصي الوصيّة التاسعة: «لا تشهد بالزور» (خروج 20: 16). ويشير يسوع المسيح إلى أنّ المعنى الداخليّ لهذه الوصيّة هو الامتناع حتّى عن القسَم، لأنّه يبدو أنّ الّذي يُقسِم يقول إنّه يكذب في بعض الأحيان، ولا يكون صادقًا إلّا حين يُقسِم. أمّا الإنسان الصادق فلا ينبغي له أن يقسِم البتّة، لأنّ كلمته صحيحة دومًا. الإنسان الصادق يحتاج فقط إلى أن يقول «نعم» أو «لا»، وسيعلم شركاؤه أنّه يقول الصدق.

الغفران (متّى 5: 38-48): 

لقد أشرنا عدّة مرّاتٍ إلى أنّ يسوع علّم أنّ أعظم الوصايا هي حبّ الله، والوصيّة الثانية العظيمة هي حبّ القريب كما نحبّ أنفسنا. إنّ يسوع المسيح يعلّم أنّ شريعة المحبّة تتطلّب أن نسامح أعداءنا. فحتّى وإن قال بعض المعلّمين: «عين بعين وسنّ بسن»، فإنّ يسوع يعلّم «... أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم» (متّى 5: 28، 44). وحدّد تمامًا وقال إن طالبنا أحد بمعطفنا فلنعطه قميصنا أيضًا، وإن ضربنا أحد على خدّنا فلنحوّل له الخدّ الآخر. وإذا كان عدوّنا يستوجب العقاب فلنترك أمره لله. ليس من مسؤوليّتنا أن نفعل الشرّ لأعدائنا (رومة 12: 19).

الكراهيّة والعنف تخلقان مزيدًا من الكراهيّة والعنف. والانتقام من أعدائنا لن يزيل الكراهية منّا. الغفران وحده يستطيع أن يشفي من العنف. المحبّة وحدها تستطيع أن تدمّر الكراهية. إذا عرف عدوّنا أنّنا نحبّه، يُحتمَلُ أن يصير صديقنا. ولكنّنا إذا استعملنا العنف سنؤذي بعضنا بعضًا، وستزداد الكراهية بيننا.

الغنى (متّى 6: 19-34): 

تقول آخر وصيّة من الوصايا العشر إنّه ينبغي عدم اشتهاء أيّ شيءٍ يملكه القريب. فالاشتهاء رغبة شرّيرة بأخذ ما يمتلكه الآخر. إنّه رغبتنا بالغنى وبالأشياء الّتي هي أصل الشهوة. وقد علّمنا يسوع أن نتفادى وضع ثقتنا بالمال أو الممتلكات. فعلى المسيحيّ أن يسعى إلى الاستقامة، وبالتالي أن يسعى قبل كلّ شيءٍ إلى ملكوت الله. فحين نحبّ الله فوق كلّ شيء، سيهتمّ بكلّ حاجاتنا الأخرى. يقول يسوع: «فلا تَهْتَمُّوا فَتقولوا: ماذا نَأكُل؟ أو ماذا نَشرَب؟ أو ماذا نَلبَس؟ ... فَاطلُبوا أَوَّلاً مَلَكوتَه وبِرَّه تُزادوا هذا كُلَّه» (متّى 6: 31، 33).

لقد قال يسوع أشياء كثيرة عن طريق الاستقامة، ولا نستطيع عرضها في هذا المقال القصير. ولعلّ أكثر ما يدهش في عظته هو حين قال: «فكونوا أَنتُم كامِلين، كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويَّ كامِل» (متّى 5: 48). كيف نستطيع أن نعيش بصلاحٍ مثل الله؟ لا شكّ في أنّ هذا النوع من الصلاح ممكن فقط حين يخلق الروح القدس حياتنا ثانيةً ويجعلها على صورة الله ومثاله. وكما قال يسوع، لا نستطيع أن نختبر هذا النوع من الخلق الجديد إلّا حين نصير فقراء الروح، وحين نعترف بخطإنا وخطيئتنا واحتياجنا إلى الخلاص. «ولمَّا أَتَمَّ يسوعُ هذا الكَلام، أُعجِبَتِ الجُموعُ بتَعليمِه، لأَنَّه كانَ يُعَلِّمُهم كَمَن لَه سُلطان، لا مِثلَ كَتَبَتِهم» (متّى 7: 28).

 

إنّ الشعب المسيحيّ هم الّذين يعترفون بسلطان يسوع المسيح. إنّهم يخضعون لمشيئة الله من خلال إقرارهم بأنّ يسوع ربّ ومخلِّص. إنّهم تلاميذ (أتباع) يسوع. ويقول المسيحيّون الأوّلون إنّ الّذين يعترفون «بيسوع ربًّا» يسيرون على «الطريقة» (أعمال الرسل 18: 26). وحتّى اليوم، فإنّ الّذين يتبعون يسوع يسيرون على «الطريقة». هذه هي «طريق» المحبّة، «الطريقة» الّتي عاشها يسوع المسيح.

 

الردّ الإسلاميّ

 

خلافًا للأمّة الإسلاميّة، لا تملك الكنيسة المسيحيّة نظام شريعةٍ عامّة للسلوك القويم. فوجهة النظر المسيحيّة تقول إنّه لا يمكن اختزال المحبّة، وهي محوريّة في تعاليمهم، في منظومة قوانين. بيد أنّ المسلمين - الّذين يملكون كلًّا من الشريعة الإلهيّة الشاملة، ونظامًا أبديًّا للقيم الأخلاقيّة الموحاة – يعتقدون بأنّه ينبغي لهذه الشريعة وهذه القيم الأخلاقيّة أن تقود الإنسان باستمرار، لأنّه غير كامل وعلمه ومحدود المعرفة. فحتّى حين يُضطرّ الإنسان إلى ممارسة العدالة، فإنّه لا يعرف كيف يتصرّف. وبالتالي فإنّ الشريعة الإلهيّة تعطيه كلّ تفاصيل كيفيّة ممارسة العدالة والرحمة في كلّ ظرف.

من ناجيةٍ أخرى، فإنّ نظام القيم الّذي يعتمد عليه السلوك المسيحيّ يشبه النظام الإسلاميّ، حتّى وإن كانت المحبّة في المسيحيّة تسمو على جميع القيم الأخلاقيّة الأخرى. إنّ هذا الإلحاح الشديد على المحبّة في جميع أبعاد الحياة المسيحيّة جعلت، بحسب وجهة النظر الإسلاميّة، مثاليّة السلوك المسيحيّ تبدو نظريّة أكثر منه عمليّة.

هناك مسألة عمليّة يختلف المسيحيّون والمسلمون عليها بين بعضهم بعضًا وبشكلٍ مؤلم، وهي مسألة الزواج والطلاق. فالزواج في الإسلام عقد بين رجلٍ وامرأة يُعقَدُ باسم الله، فيمثّل إذًا تأسيسًا مقدّسًا. ويجب بذل كلّ الجهود للحفاظ على هذا العقد المقدّس.

 

بيد أنّ عوائق جادّة تظهر في الزواج، ولا يمكن تخطّيها بالوفاق، فيسمح الإسلام بتعاليمه العمليّة بالطلاق. فالطلاق إذًا هو الحلّ النهائيّ. يقول النبيّ محمّد (صلعم) أبغض الحلال عند الله هو الطلاق (حديث لابن عمر، أبو داود وحكيم، فقد السنّة، المجلّد 3، بيروت، سعيد سابق، دار الكتاب العربيّ، ص. 241). ويحذّر القرآن ثانيةً: «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً» (ألنساء 4: 34). فالله لا يتحمّل زواجًا تعسًا خائنًا بدون حبٍّ وخاملٍ. فعل أساس هذه القواعد العمليّة يمكننا أن نسمح بالطلاق.

 

وكذلك يوصى بالصفح على أنّه فضيلة أخلاقيّة سامية، ولكن ينبغي له أن يكون قابلًا للتحقيق فعلًا. ففي الإسلام، مَن سقط ضحيّة الظلم له حرّيّة الانتقام بحسب الكتاب أو مساومة الظالم على التعويض. وله حقّ مسامحة المذنب وتسليم أمر أفعاله لله. يقول القرآن الكريم: «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» (الشورى 40).

ونقرأ في آيةٍ أخرى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين» (آل عمران 133-134).

عمليّا، لا نجد في الإسلام الموقف المتطرّف «عين بعين» ولا نقيضه «مَن لكمك على خدّك الأيمن فحوِّل له الآخر». ولا نجد حالة إعطاء الرداء للأخ الّذي يريد انتزاع الثوب!

مستلّ من:

 

Kataregga und David W. Shenk, Woran ich Glaube. Ein Muslim und ein Christ im Gespräch. (Schwarzenfeld: Neufeld Verlag, 2005) p. 227-236.

نصّ مترجم بإذنٍ من الناشر: M. David Neufeld


Contact us

J. Prof. Dr. T. Specker,
Prof. Dr. Christian W. Troll,

Kolleg Sankt Georgen
Offenbacher Landstr. 224
D-60599 Frankfurt
Mail: fragen[ät]antwortenanmuslime.com

More about the Authors?