German
English
Turkish
French
Italian
Spanish
Russian
Indonesian
Urdu
Arabic
Persian

الله، ثلاثة في واحد

أولا: تساؤلات المسلمين

هل أنتم موحدون فعلا ؟

هل تؤمنون بثلاثة اۤلهه ؟

من هم هؤلاء الاۤلهه؟

كيف يمكن لله أن يدعي أبا أو ابنا ؟

 

ثانيا: نظرة المسلمين

النظرة الإجمالية

يمثل التوحيد الخالص جوهر العقيدة الإسلامية، جاء في القرآن: )قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ( (سورة الإخلاص:12).

في الإسلام قناعة بأنه يستحيل الإشارة إلى الله من خلال كلمات ذات دلالة بشرية مثل: "الآب" و"الابن" اللتين تشيران إلى وقائع حسية محض. اعتاد المسيحيون إضفاء معان روحية على هاتين الكلمتين إلى حد أنهم ربما نسوا معانيها البديهية.

 

 

لا يفيد الشرح اللاهوتي للثالوث الأقدس المستعين بمفاهيم كـ"الطبيعة" و"الأقنوم" أو "الشخص". فكلمة "شخص" باللغة العربية توحي بشخص مرئي، أما "الأقنوم" (المصطلح الفني في اللاهوت المسيحي العربي للإشارة إلى الثالوث) فليس مألوفا لدى العرب المعاصرين، وكذلك يشير لفظ "الطبيعة" إلى الطبيعة المخلوقة(14).

 

 

يصور القرآن عقيدة الثالوث الأقدس المسيحية على أنها: "التثليث" مشيرا إلى أن المسيحيين اتخذوا الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة لهم، وهو ما يدينه المسيح نفسه في القرآن حيث ورد:

(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) [سورة المائدة: 116].

 

لم يشر القرآن إلى العقيدة المسيحية القائلة إن الروح القدس هو الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس.

 

 

النظرة المفصلة 

 

اليهود والمسيحيون أهل الكتاب في القرآن. لكن طبقا لهذا الأخير، يبقى السؤال مفتوحا عن المسيحيين: هل هم من الموحدين (سورة البقرة:62، سورة آل عمران:110، 115، سورة النساء:55، سورة الأنعام: 69، 82) أم من الكفار (سورة الأنعام: 17، 72-73، سورة التوبة: 31) أم من المشركين (سورة الأنعام:72، سورة التوبة 31)؟

 

يلوم القرآن المسيحيين على الإشارة إلى الله بكلمة: "ثلاثة" (سورة النساء: 171). يقولون: (إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) (سورة المائدة:73) وكأن الثالوث يضم المسيح ومريم (سورة المائدة:116). ويقولون (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)(سورة المائدة: 72، 116) أو ابن الله. واستخدمت كلمة "ابن" للإشارة ليسوع (عيسى) في سورة التوبة:30 وكلمة "ولد" في سورة مريم:  34-35 على الرغم من أن الله في حقيقة الأمر واحد أحد، (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) [سورة الإخلاص 3].

 

اتخذ المفسرون وعلماء الكلام المسلون وجهات نظر عديدة متفاوتة لبيان المفهوم المسيحي للألوهية. يقر فخر الدين الرازي (1149-1209م)، احد كبار مفسري القرآن في الحقبة الكلاسيكية، بأن لا مسيحي في عصره يؤمن بأن مريم هي الأقنوم الثالث للثالوث: لابد بالتالي لما ورد في القرآن أن يكون متعلقا بإحدى البدع المسيحية القديمة التي زالت في عهد الرازي. وقد تبع الرازي في توجهه هذا كثير من العلماء المسلمين المعاصرين.

 

بين المتكلمين المسلمين، هناك بعض الكتابات المدهشة التي تدرك بعمق عقيدة الثالوث الأقدس. بعضهم يعترف حتى بأن المسيحية دين توحيد فعلي.  لكن، يبقى الواقع أن معظم المسلمين ينظرون إلى المسيحيين باعتبارهم مثلثين(15)

 

اليك التعبير اللاهوتي المدرسي:  ان الله موجود بذاته وهذا الوجود الذاتي نطلق عليه (الاب). والله ناطق بعقله، وهذا النطق العاقل نطلق عليه لفظ (الابن- الكلمة) والله حيّ بروحه، ونطلق على الروح لفظ        ( الروح القدس). فهو موجود بذاته، ناطق بعقله وحي بروحه وهذا الثالوث هو واحد. هكذا يعبر اللاهوت المسيحي عن الثالوث

 

 

ثالثا: نظرة المسيحيين

 

من هو الله ؟

المسيحيون موحدون، يدافعون عن التوحيد الذي ورثوه من بني إسرائيل. الله واحد أوحد. يؤمنون بأن الله تجلى للبشر سيدا ومخلصا بالمسيح وفي المسيح. هذا يعني أن الله جعل نفسه حاضرا في يسوع المسيح، لكن لا يعني أنه جعل ذاته حاضرا بكليته فيه. ولا تتشرب الطبيعة البشرية (الناسوت) الطبيعة الإلهية (الألوهة) والعكس بالعكس، إذ لا تقضي الطبيعة الإلهية على الطبيعة البشرية. منذ فجر المسيحية شكلت هذه النقاط أساس الفكر اللاهوتي والخبرة الروحية التي أدت إلى عقيدة الثالوث الأقدس. والبشرى (الإنجيل) التي تلقيناها من المسيح لا تفيدنا بوجود الله وأحاديته وحسب، بل تقول لنا "من هو الله". يقود المسيح تلاميذه نحو معرفة الله بمحبة ويدعونا للدخول في نوع من "الشراكة" معه.

"إِنَّ اللهَ، بَعدَما كَلَّمَ الآباءَ قَديمًا بِالأَنبِياءَ مَرَّاتٍ كَثيرةً بِوُجوهٍ كَثيرة، كَلَّمَنا في آخِرِ الأَيَّام هذِه بِابْنه". (الرسالة إلى العبرانيين: 1-1-2). أرسل الله ابنه، الكلمة الأزلية، نورا للعالم. سكن بيننا فرأينا مجده، مجدا من لدن الآب. (يوحنا 1:1-18). يسوع هو الكلمة الذي صار جسدا وأُرسل "بشرًا بين البشر" (الرسالة إلى ديوجنيوس 7 :4)، "فإِنَّ الَّذي أَرسَلَه الله يتَكَلَّمُ بِكَلامِ الله" (يوحنا 34:3) ويتمم عمل الخلاص الذي أوكله به الله الآب (يوحنا 36:5، 4:17). من رأى المسيح رأى الآب (يوحنا 14:9). لذلك تمم يسوع الآيات عبر حضوره وتجليه من خلال أفعاله واقواله، وعلاماته ومعجزاته وبشكل خاص موته وقيامته العظيمة من بين الأموات، وأخيرا بإرساله الروح القدس (روح الحق) إلى تلاميذه. بشهادته الإلهية، أكد يسوع على ما سبق وورد في الآيات: أن الله معنا ليخلصنا من ظلمة الخطيئة والموت، وليسمو بنا إلى الحياة الأبدية.

الآب-الابن:

 

استنادا إلى أعمال يسوع ومواقفه وكلماته، استخدم الشهود الأوائل (الرسل والانجيليين) كلمة "الابن" للإشارة إلى العلاقة الفريدة بين يسوع الناصري والله الذي دعاه أباه وصلى له هاتفا : "أبّا، أيها الآب". رأوا في أعمال المسيح أنه مُنح سلطة إلۤهيه حقيقية تخوله مثلا غفران الخطايا. فاستنتجوا أنه لا بد من التمييز في كيان الله بين الله أصل كل شيء ومصدر الوجود والحياة (الآب)، وبين من أعطاه الله الحياة وهو المولود الأول بين جميع الخلائق (الابن). يتلقى الابن وجوده وكيانه برمته من الآب في علاقة من المحبة الكاملة والخضوع الكامل. لذلك فالمسيح انعكاس للآب، و"هو صورة الآب ومثاله"، ويتلقى كل شيء منه. أما مفهوم "الكلمة" الذي تطور في الفكر الإغريقي الكلاسيكي، فيساعد على توضيح هذه العلاقة بين الآب والابن داخل كيان الله. فالكلمة (أي المسيح) تنبع من العقل لتعبر عن طبيعتها، وهي منفصلة عن العقل لكنها في الوقت نفسه تعبر عن مشيئة العقل. وهذه الكلمة هي التي غدت جسدا في يسوع المسيح.

 

عبر الكلمة في الروح القدس

يسوع (أي الكلمة) مولود غير مخلوق بمشيئة الله، ومنه انبثق العالم، ولئن لكلمة الله قوة على الخلق، أوجدت الخليقة جمعاء. تحمل بالتالي هذه الأخيرة علامة كلمة الآب وتكون مصدرا لمعرفة الله (نسبة لتعاليم آباء الكنيسة الأوائل عن "بذور الكلمة"). تجد عملية الخلق أوجها في الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله (سفر التكوين 26:1). لا يكتمل الإنسان إلا إذا أعاد اكتشاف صورة الله الذي خُلق على مثالها؛ ولا سبيل له إلى ذلك سوى الطريق الذي فتحه الكلمة الذي صار جسدا وحل بيننا. وبالمسيح تدخل البشرية في علاقة حقيقية مع الآب، منبع حياة المسيح. أما هذا الطريق القويم المؤدي من الإنسان إلى الله محبة ، فمستحيل من دون الروح القدس العامل فينا (وفي المسيح) إذ بفضل عمل الروح القدس (روح محبة الله) نصبح أبناء للآب وإخوة وأخوات للابن، وهي العلاقة التي نصبو إليها من خلال كلمة الله. ويخبرنا بولس الرسول بأننا نستطيع بالروح القدس أن ندعو الله "أبّا" (الرسالة إلى الغلاطيين 6:4). ونعيش هذه البنوة بالمسيح ومع المسيح وفي المسيح (عن صلاة الرفع خلال رتبة الافخارستيا بحسب الليترجيا اللاتينية).

 

الآب – الابن – الروح  القدس

يظهر على هذا المستوى التمييز الثاني في كيان الله. يتضمن العهد القديم ذكرا للروح بالإشارة إلى قوة لله الخالقة (روح الحياة التي ينفحها الله في خليقته)، وهي نفسها التي ألهمت الأنبياء، وقادت شعب إسرائيل، وأرشدت عقل الشعب تجاه معرفة الإله الحق، وهدت تاريخهم بحيث يستسلمون لمشيئة الله. من خلال الروح، يبقى الخالق في علاقة حيّة مع خليقته، وتبقى هذه العلاقة منفتحة، تتقبل عمل الخالق باستسلام تام لمشيئته. ويؤكد المسيح على هذا التجلي أولا في شخصه، إذ "تجسد من الروح القدس" فجمع في شخصه الطبيعتين الإلهية والبشرية. يسوع "ابن" الله بفعل الروح القدس، مصدر عمله ورسالته (خصوصا في إنجيل لوقا). ثانيًا يخبرنا يسوع  أيضا إن الروح هو باني الشركة بين الآب والابن مما يجعلهما واحدا. لا بد لهذه العلاقة تحديدا أن تكون إلهية، إذ وحده الله يتحد بالله. هذا يعني بالتالي أن طبيعة الروح القدس من ذات طبيعة الآب والابن: طبيعة إلهية. وهو رباط الشركة مع ذات الله، ومبدأ الوحدة الإلهية. وبصفته المحبة المتبادلة بين الآب والابن، فهذا يعني أنه أضفي عليه صفة الألوهة، بل إنه إله حق. من هنا نفهم  لماذا كان المسيحيون الأوائل يرفعون الصلوات إلى "الآب من خلال الابن في الروح القدس".  اذاً من خلال المسيح نعود إلى مصدر حياتنا (الله) سائرين على خطى المسيح بالروح القدس الذي وهبنا إياه الله في العماد والذي يربطنا بالآب باعتبارنا أبناءه "بالتبني".

 

المشاركة بالمحبة

استنادا إلى ما سبق، يمكن القول إن الروح هو بمثابة "الشريعة الباطنية" التي تقود المسيحيين الى دروب الله، إذ هو الذي جاء بالحياة إلى يسوع وإلينا نحن البشر. وعليه، فالخليقة جمعاء مدعوة للدخول في علاقة محبة والمشاركة في حياة الله. مُنح الناس الروح القدس ليمكّنهم من أن يكونوا عناصر حرة وخلاقة تحقق المصالحة الشاملة، وهي في الواقع عمل تعاون بين الله والبشرية. فالوحدة بداية ونهاية عمل الله لأن الوحدة من جوهر الله نفسه. وما يميز المسيحيين عن المسلمين، هو اعتقاد المسيحيين بأن الوحدة شركة واتحاد  مع الله محبة. "وإذ تسعى الكنيسة إلى ترسيخ الوحدة والمحبة بين البشر وحتى بين الأمم، تولي اهتماما كبيرا... لما يتشارك به البشر وما يعزز الأخوة بينهم. إذ ينتمون إلى جماعة واحدة ذات أصل واحد لأن الله "صنَعَ جَميعَ الأُمَمِ البَشَرِيَّةِ مِن أَصْلٍ واحِد، لِيَسكُنوا على وَجْهِ الأَرضِ كُلِّها" (أعمال الرسل 26:17). يشترك البشر كذلك بغاية واحدة: الله. عنايته وتدبيره الإلهي، وخيره، وخلاصه تمتد لجميع الناس (قارن: سفر الحكمة 1:8، أعمال الرسل 17:14، الرسالة إلى أهل روما 2: 6-7، الرسالة الأولى إلى طيموتاوس 2:4) إلى اليوم الأخير حيث يتحد المختارون" .

 

الثالوث

 

يقع الثالوث الأقدس في  صلب الإيمان المسيحي وتبعدنا عقيدته عن إغواء الأصنام التي ليست الله، وتوجهنا نحو عبادة الله الحق الحي الواحد والأوحد. أضف إلى ذلك أنها مصدر وحدة الجنس البشري المدعو إلى الدخول في شركة إلهية في الروح القدس.

(قال يسوع لتلاميذه): إِذا كُنتُم تُحِبُّوني، حَفِظتُم وَصاياي. وَأَنا سأَسأَلُ الآب فيَهَبُ لَكم مُؤَيِّداً آخَرَ يَكونُ معَكم لِلأَبَد رُوحَ الحَقِّ الَّذي لا يَستَطيعُ العالَمُ أَن يَتَلَقَّاه لأَنَّه لا يَراه ولا يَعرِفُه. أَمَّا أَنتُم فتَعلَمون أَنَّه يُقيمُ عِندكم ويَكونُ فيكم.لن أَدَعَكم يَتامى، فإِنِّي أَرجعُ إِلَيكم ... إِنَّكم في ذلك اليَومِ تَعرِفونَ أَنِّي في أَبي وأَنَّكم فِيَّ وأَنِّي فِيكُم... إذا أَحَبَّني أَحَد حَفِظَ كلامي فأحَبَّه أَبي ونأتي إِلَيه فنَجعَلُ لَنا عِندَه مُقاماً (يوحنـا 14: 15-8، 20، 23).

بالمعمودية وفي الروح القدس، بات المسيحيون أعضاء في جسد المسيح. وفيه يواصلون رسالة المسيح لتحرير البشرية من قوة الموت الآسرة. بعد قبولهم في هذا الجسد، يدخلون الحياة الأبدية، التي هي مشاركة في حياة الله. يتلقون هذه الهبة (وهي المسيح نفسه) ويسعون للعيش استنادا إليها. يتطلعون إلى المواظبة على عبادة هذا السر الإلۤهي العجيب تحت إرشاد الروح القدس.

 

"ذاكَ الَّذي يَستَطيعُ، بِقُوَّتِه العامِلَةِ فينا، أَن يَبلُغَ ما يَفوقُ كثيرًا كُلَّ ما نَسأَلُه أَو نَتصَوَّرُه، لَه المَجْدُ في الكَنيسةِ وفي المسيحِ يسوع على مَدى جَميعِ الأَجْيالِ والدُّهور. آمين" (الرسالة إلى أهل أفسس 3: 20-21).

 

 

أصل عقيدة الثالوث الأقدس

من المهم لفت الانتباه إلى أصل عقيدة الثالوث الأقدس. وفي هذا السياق يمكن التمييز بين مضمون العقيدة والبيئة الثقافية المحيطة بها.

 

1.ينتمي المسيح إلى بني إسرائيل، شعب الله المختار. ويتغلغل روح التوحيد العميق في فكره برمته (مرقس 12: 28-34). يتحدث الكتاب المقدس مرارا عن الإله الواحد الحق إزاء الآلهة الزائفة. ويسوع  يدعو نفسه "ابن الله" (يوحنا 36:10) أو باختصار "الابن" (متى 27:11). يشير المسيح بذلك إلى أصله السماوي مستخدما بالتحديد لقب: "ابن الإنسان" المقتبس عن نبوءة دانيال (دانيال7). والأمر الجوهري هو أن المسيح يحيا في علاقة متميزة مع الله حتى يدعوه "أبّا، أيها الآب". اما عن الروح القدس فقلّما تكلم المسيح عن الروح القدس، غير أنه عاش حياته برمتها بقوة هذا الروح.

2.لم يفهم التلاميذ معنى ما اختبروه مع المسيح خلال حياته معهم، إلا بإلهام من الروح القدس بعد آلامه وقيامته. توصلوا عندئذ إلى التحقق من أن هذا المسيح، الحي، القائم من بين الأموات، هو ذاته يسوع الناصري الذي عايشوه وآنسوه وشاهدوه يموت على الصليب، وراحوا يعلنونه السيد المخلص، وأنه ابن الله في علاقته مع الآب بمعنى خاص جدا. انطلاقا من هذا، بدأت تظهر التعابير الخاصة بالثالوث الأقدس، أولها "ابن الله"، وثانيها "روح الله" ( من "بنوما" (Pneuma) ومعناها باللغة الإغريقية: النفَس الذي ينفحه الله) الذي اختبر الرسل حضوره بقوة حتى قبل إطلاق اسم محدد عليه. نصل بهذا إلى الاعتراف المركزي في الإيمان المسيحي وهو: أن الله هو الآب والابن والروح القدس. ويعود هذا الاعتقاد إلى حقيقة وجود المسيح القائم من بين الأموات، ويجد جذوره في إيمان الرسل.

 

3.بسبب كثرة البدع حول الكريستولوجيا (علم طبيعة المسيح) بين القرنين الثالث والرابع الميلاديين، بات من الضروري ترسيخ الإيمان في وحدة الله وحقيقة الآب والابن والروح القدس. استمر النضوج التدريجي إلى أن انتهى المطاف بالكنيسة إلى الصيغة المعلنة في مجمع لاتران (1215م)، والتي نصت على وجود تمييز بين الأقانيم الثلاثة ووحدة طبيعتهم. فالآب هو الأصل الذي ما قبله أصل، والابن يستمد أصله من الآب منذ الأزل، أما الروح فمنبثق عنهما. يظهر هكذا أن للآب والابن والروح القدس جوهر واحد .

 

 

رابعا: أجوبة المسيحيين

يعترف المسيحيون من دون غموض أو لبس بأنهم يؤمنون بإله واحد. ويؤكد اللاهوت المسيحي الكلاسيكي أن الخالق، في علاقته مع الخليقة، إله واحد فحسب.

 

تعود كلمة "الثالوث" إلى عمل الله الخلاصي في التاريخ وإلى حياة الله الداخلية. لكنها لا تقيّد وحدته بأي شكل من الاشكال. تعجز المعادلات الحسابية عن إدراك حقيقة الله(16). الله الواحد هو نفسه الآب والابن والروح القدس. الله تجسد فعلا في شخص يسوع المسيح. لذلك، تؤثر المعاناة والموت عليه. تنتمي هذه الأسماء الإلهية إلى ركن الإيمان المسيحي، وتمثل جانبا من الإرث الذي وصلنا منذ الحقبات التاريخية الاولى. لكن لا يجوز ادارك هذه المفاهيم على أنها عمل خلق بالمعنى البشري للكلمة. ونحن نتفق تماما مع المسلمين برفضنا القاطع لمثل هذه الفكرة. ومهما يكن من الأمر، يبقى الله في الإيمان المسيحي بعيدا عن متناول الإنسان فيعجز الكلام البشري عن وصفه. بتعبير آخر يستخدم المسيحيون مصطلحات "الآب" و"الابن" بالمعنى الأوسع  لهاتين الكلمتين أكثر من المسلمين. يُدعى الله الواحد "الآب" لأنه مصدر الخليقة جمعاء، ويدعى "الابن" لأنه يعيش في المسيح بالكلية فيستمد هذا الأخير جل حياته منه، ويدعى "الروح القدس" لأنه يحل على الخليقة فتتواصل الخليقة مع خالقها. الله الممجد الواحد التام والكامل في ذاته هو المحبة بذاتها والتبادل بين الأقانيم ومبادلة المحبة بالأخذ والعطاء. هو إله واحد في ثلاثة أقانيم، الثالوث الأقدس.

 

 

عندما تبرز تساؤلات عن معنى مصطلحات "الطبيعة" و"الشخص" (الأقنوم)، لا بد من استمداد التوضيح من السياق التاريخي، مشيرين بشكل خاص إلى الفرق بين المفهوم الحديث للـ"شخصية"، ومفهومها في التقاليد الفلسفية واللاهوتية الكلاسيكية.

الله موجود في أحوال ثلاثة مختلفة، في علاقته بنا وفي العلاقات بين الأقانيم الإلهية.

استحسن بعض اللاهوتيين المسيحيين الذين كتبوا باللغة العربية في القرون الوسطى استخدام الصور المجازية في محاولاتهم شرح عقيدة الثالوث الأقدس، آخذين في الاعتبار تساؤلات المسلمين. فقد أشاروا، على سبيل المثال، إلى النار التي تحتوي على اللهب، والحرارة، والنور، وإلى الثلج والماء والبخار التي تنتمي جميعها إلى العنصر نفسه. كما استعملوا عوض لفظة الاقانيم  الصفات الذاتية لوجود فرق مسلمة كالاشعرية الذين يؤمنون بصفات ذاتية في الله.

ومما يستحق النظر في هذا السياق، أسماء الله الحسنى، التي تلعب دورا مهما في الفكر الروحي والكلامي الإسلامي. وهذه الأسماء الحسنى مثل "القدير" و"الرحيم" و"العليم" و"المجيد" و"المنتقم" تعبر في التقوى والكلام الإسلامي عن مدى ثراء وعمق الذات الإلهية. وحسب فهم المسلمين، لا تمس هذه التعابير وحدة الله ولا تشكك فيها. وحين نتأمل الأسماء الحسنى في سياق تفسير التعاليم المسيحية حول للثالوث الأقدس، لا بد من إبقاء نقطتين على البال: أولا، لا تنتمي أقانيم الثالوث إلى نفس فئة الأسماء الحسنى، إذ تصف هذه الأخيرة جوانب من الطبيعة الإلهية حسب المفهوم الإسلامي. أما وفقا للمفهوم المسيحي، فتعد الاقانيم الثلاثة الهية  وهناك بين اباء الكنيسة من قال  الاسماء الثلاثة كما جاء في ميامر مار افرام. استنادا لما مرّ، لا يمكن استخدام الأسماء الحسنى لتعريف الأقانيم وتمييزها عن بعضها البعض. ثانيا، لو انطبقت الأسماء الحسنى على الأقانيم، لطرح المسلمون السؤال التالي: لماذا يركز المسيحيون على أسماء ثلاثة لله وحسب، في حين تنطبق عليه أسماء حسنى عديدة أخرى؟ وهنا، تنطبق النقطة الآنفة الذكر. في المسيحية، يجوز إضفاء العديد من الـ"الأسماء الحسنى" على الله قد يضيف المسيحيون أسماء على تلك المعتمدة في الإسلام. لكن عندما نأتي للكلام عن الأقانيم الثلاثة فهي ثابتة، الثلاثة في واحد وليس ثالثة الثلاثة. لا يوجد مسيحي واحد يعتبر مريم الها أو الاقنوم الثالث ولا يمكن ان تكون صاحبة . المسيحيون يعتبرونها انسانة قديسة وبتولا طاهرة.

___________________________________________________________

(14) الطبيعة وباليونانية physis    هي في اللاهوت المشرقي فكرة مجردة مثلا الطبيعة البشرية،  والاقنوم hypostasis  يعني  في اللاهوت المشرقي الطبيعة الفردية اما الشخص prosopon   ، أي القناع الذي به يظهر الممثل، فيعني الوجه. وفعلا في الادب المسيحي استعملت لفظة "الوجه" للتعبير عن الفاعل الظاهر. وفي القرآن جاء بخصوص المسيح انه الوجيه عند الله وله وحده منح هذا اللقب(آلعمران 45 والاحزاب 69. واستعمل المتكلمون المسيحيون العرب  بخصوص الثالوث: الصفات الذاتية. طالع ساكو،  حوارات مسيحية- اسلامية، مقاربات لاهوتية بالعربية في عصر الخلافة العباسية، كركوك،2009 ص 13-14.

(15) إن المقصود بالثالوث ليس  إذن كما  يُعتقد ثلاثة إلهة مستقلة. المسيحية ترفض مثل هذا الشرك وتعتبره كفرا ، والمسيح أعلن أن الله واحد احد وقاوم تعدد الإلهة وذلك بشهادة الإنجيل والقران : " إن الله واحد وليس أخر "       ( مرقس 12 /32 ) " وما أرسلنا من قبلك رسول إلا ونوحي إليه انه لا اله إلا أنا فاعبدون " ( الأنبياء 42 ). أن عقيدة الثالوث لا تلغي قطعا شيئا من إيماننا بسر الله الواحد فائق الإدراك 

(16) نحن امام سر غير ممكن ادراكه بالكامل. طالع القديس اوغسطينوس، الاعترافات  رقم 7 قصة القدح والبحر.

 

Contact us

J. Prof. Dr. T. Specker,
Prof. Dr. Christian W. Troll,

Kolleg Sankt Georgen
Offenbacher Landstr. 224
D-60599 Frankfurt
Mail: fragen[ät]antwortenanmuslime.com

More about the Authors?