German
English
Turkish
French
Italian
Spanish
Russian
Indonesian
Urdu
Arabic
Persian

الدين والدنيا

أولا: تساؤلات المسلمين

 

تصب المسيحية جل اهتمامها في الشؤون الروحية. وتنشغل حصرا بخلاص النفوس في الآخرة. ولكن ماذا عن الحياة في هذه الدنيا، خاصة الشؤون الاجتماعية والسياسية ؟

الفصل بين الدين والدولة غريب على الإسلام؛ إنه فكرة غربية ومسيحية.

من مبادئ المسيحية: "أعط ما هو لقيصر لقيصر، وما لله لله". فكيف نفهم إذا النشاطات التي ارتكبت باسم المسيحية، مثل الحروب الصليبية والاستعمار؟

 

ثانيا: نظرة المسلمين

 

النظرة الإجمالية

 

يقدم الإسلام نفسه على أنه الدين الخاتم الموحى به. يصدَّق على الأديان السابقة له ويهيمن عليها. فاليهودية غارقة في الاهتمام بشؤون هذا العالم، والمسيحية منخرطة في الشؤون الروحية.  أما الإسلام فهو الدين الكامل المتناغم، دين الطريق الوسط (قارن سورة المائدة:3، والإشارة إلى الدين الوسط في سورة البقرة:143 حيث وردت الكلمة بمعنى "دين الوسطية"). يهتم الإسلام بالجسد والروح، والحياة الاجتماعية والسياسية والدينية، ورفاه الإنسان في هذه الحياة والآخرة معا. أما المسيحية فتضحي بالجسد على حساب الروح: تتعامل مع الدين وتتجاهل الدولة، لا تعول على الرفاه في هذا العالم بل تصب جل رجائها على السماء.

 

مثل هذه الأفكار منتشرة بين المسلمين بدرجات متفاوتة. لا بد من الإقرار بأن ملامح عديدة لصورة المسيحية في القرن التاسع عشر أعطت سندا قويا لهذه النظرة المفرطة في التبسيط. ومن هذه الملامح، تعابير شأن: "خلاص النفوس" "في وادي الدموع (أي هذا العالم)"، أضف إليها النظرة السلبية الواسعة الانتشار للجسد والجنس (المصور على أنه بؤرة الخطيئة الرئيسي)، والمفاهيم القائلة بأن المسيحية دين خاص (بين الإنسان وربه) وإن السياسة "مهنة قذرة" الخ.

 

يعتبر الكثير من المسلمين الحياة الرهبانية والعفة بدافع الإيمان، ظاهرة مسيحية نموذجية تترك بصمتها على المسيحية جمعاء. يرون فيها تجسيدا "للهروب من الدنيا"، وهذا ما ترفضه النظرة الإسلامية رفضا قاطعا.

يُلاحظ أن هذه النظرة الإسلامية التقليدية عن المسيحية شهدت في السنوات الأخيرة تغيرا جزئيا. غالبا ما يعرب المسلمون عن اهتمامهم بجهود الكنائس المسيحية الآيلة إلى كسب آذانا صاغية في مجال السياسة والرأي العام في خدمة السلام والعدالة وباسم الفقراء والمهمشين والمقهورين. يولي المفكرون المسلمون أهمية بلاهوت التحرير لأنه يدعو إلى الكفاح ضد الاضطهاد السياسي والظلم الاجتماعي.

 

النظرة الإسلامية المفصلة

 

تكمن وحدانية الله في جوهر رسالة القرآن. في الوقت نفسه، يأمر القرآن الإسلام بممارسة العدالة الاجتماعية، فوقف الدين الجديد، منذ أيامه الأولى في مكة، إلى جانب الفقراء والأيتام والعجزة، وجاهد لرفع الظلم والقهر الواقع عليهم على يد الأغنياء. منذ البدايات، أعلن محمد رسالة القيامة واليوم الآخر، منذرا الأغنياء بالعقاب الذي ينتظرهم ما لم يصلحوا حياتهم. هاجمت هذه الدعوة، التي انتشرت خلال المرحلة المكية برمتها، النظام الاجتماعي السائد الذي ضمن امتيازات الأغنياء دون سواهم، مما أدى إلى اضطهاد الجماعة الإسلامية الصغيرة في مكة.

لم تلبث أن برزت جماعة مسلمة متماسكة حول النبي بعد هجرته إلى المدينة سنة 622م وسرعان ما نمت قوتها فبسطت نفوذها على مكة وشبه الجزيرة العربية برمتها.

عُني الوحي القرآني في حقبة المدنية (622م-632م) أعظم عناية بوصف الحياة الروحية (الصلاة، الصوم، الفضائل والرذائل) إضافة إلى تنظيم شؤون الحياة الاجتماعية، بما يغطي: تنظيم حياة الفرد والأسرة والمجتمع برمته (العقود، الزواج والإرث)، وتنظيم الحياة السياسية (تعليمات قواعد الحرب، تقسيم الغنائم، واجبات القادة والحاجة للشورى)، وأخيرا، وضع تشريعات لشؤون الحياة اليومية، بما يشمل وضع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي.

بُني التقليد الإسلامي (النظم الإسلامية) استنادا إلى التطورات التاريخية وإلى تأكيدات النصوص القرآنية المصاحبة لها. استنادا إلى ذلك، طُور نظرية عن الإسلام على أنه نهج شامل للحياة، يتعاطى مع شتى احتياجات الإنسان، من جسدية وروحية، ومن فردية واجتماعية وسياسية. الإسلام دين ودولة: يعتني بالإنسان في حياته الدنيا وحياته الآخرة. ليس المسلم الصالح من يأبه بحياته الفانية حد فقدان البصيرة حول حياته الآخرة. ليس المسلم الصالح من لا يضحي بحياته الدنيا في سبيل حياة الآخرة. بل المسلم الصالح هو من يعلم كيف يحرص على حياته الفانية والآخرة. (معنى حديث نبوي).

يرفض الإسلام الفصل بين المسألتين الروحية والدنيوية، إلا أنه يقر بالفرق بينهما. يميز الفقه التقليدي بين العبادات (الثابتة) والمعاملات (المتغيرة). يسجل الحديث التالي إجابة محمد لأحد السائلين عن السلوك الصحيح في مسألة دنيوية محض: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم". ويضيف البيضاوي(55) في تفسيره للآية 63 من سورة الزخرف في القرآن الكريم: "لهذا السبب لم يرسل الأنبياء لتفسير أمور الدنيا بل أمور الدين وحسب".

وفي حياة محمد، أي في فترة نزول الوحي القرآني، حدث تطور ملموس في الإسلام، تمثل بالانتقال من نظرة أخلاقية واجتماعية داعية إلى التشكيك في البنى الاجتماعية القائمة آنذاك، إلى تأسيس دين دولة. وفي الحقبة التالية من التاريـخ الإسلامـي، أصبـح الخليفة "ظل الله على الأرض"، و"أمير المؤمنيـن"؛ عُهد إليه وإلى ممثليه بالسلطة الدنيوية وليس الروحية وحسب، ذلك أن الإسلام لا يعرف نظام الاكليروس (الطبقة الدينية) ولا سلطة إصدار التعاليم الدينية الرسمية (المعصومة). مع ذلك، تحمل الخلفاء مسؤولية دينية من أجل "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وفقا للويس ماسينيون (Louis Massignon) (1883-1962م)، فالإسلام "حكومة دينية علمانية تتميز بالمساواة". ومنذ تكون الدول الإسلامية المعاصرة، انتقل الإسلام من كونه دين ودولة إلى كونه دين الدولة مع بعض الاستثناءات شأن سوريا واليمن. من ناحية أخرى، تأسس عدد من الدول ذات أكثرية مسلمة، خارج نطاق العالم العربي، على المبادئ العلمانية مع الرغبة في الإبقاء عليها (مثلا: تركيا، السنغال، النيجر ومالي الخ.).

 

منذ بدايات القرن العشرين، أدرك بعض المفكرين المسلمين سلبيات دين الدولة. إذ في ظل هذا النظام السياسي، يحد الدين من دور الدولة التي تمسي بسهوله أداة للأيديولوجية الدينية. ومن السلبيات الأخرى، الدين نفسه بالمعنى الضيق، إذ يمكن أن يوظفه الحزب الحاكم لمصلحته، فتمسي على سبيل المثال خطب المساجد تحت سيطرة السلطات الرسمية. لذا، برزت في العالم الإسلامي منذ عقود، دعوات متصاعدة لفصل الدين عن الدولة، وحتى لتأسيس دولة علمانية.

وجدت هذه الأفكار صدى لها في مصر وسوريا والمغرب وباكستان، وبين المفكرين الاشتراكيين والماركسيين عبر العالم الإسلامي. لكنها، من جهة أخرى، واجهت معارضة شديدة  في أوساط المحافظين: يرون في فكرة الدولة العلمانية "بدعة غربية مسيحية" ولا يتلكؤون في اتهام الدول الإسلامية المعاصرة بخيانة القرآن. تتأرجح أفكار آلاف المسلمين بين هذين القطبين: دمج الدين في الدولة من جهة وفصل الدين عن الدولة من جهة أخرى. من ناحية، يقدرون إيجابيات دين الدولة إذ يؤمن هذا النظام التعليم الديني في المدارس ويكبح خطر التراخي في الممارسات الدينية. لكن من ناحية أخرى يرون أن الدين الرسمي (أي الدين الذي تؤسسه الدولة) نادرا ما يبني إيمانا حقيقيا ومسؤولا، يختاره المؤمن عن قناعة فعلية.

 

ثالثا: النظرة المسيحية

 

الأنثروبولوجيا المسيحية

ان الثنائية االتي أثرت على الفكر اللاهوتي المسيحي مصدرها الفلسفة اليونانية: جسد روح، مادة شكل..الخ،  لكن  قلما نجد  في العهد القديم  والجديد عن أي شيء حول الفصل بين الجسد والروح، ولا عن كره الجسد، إذ وفقا للكتاب المقدس، الكائن البشري واحد مكون  من جسد نُفحت فيه الروح والحياة. وفقا للمفاهيم الأقدم في الكتاب المقدس، يهوى الكائن البشري كله إلى مكان سحيق يقال له "شيول- القبر"، مكان الموتى. ساد هذا المفهوم طويلا إلى أن ظهرت إشارات إلى القيامة في الكتاب المقدس (دانيال 2:12-3). ذُكرت "قيامة الصديقين من بين الأموات" للمرة الأولى في آخر أجزاء العهد القديم: أسفار الحكمة. وفي العهد الجديد، يرد الكلام عن قيامة المسيح والمؤمنين به. هذا حجر زاوية رسالة المسيح. عندما يأتي يوم القيامة، يُقام المؤمنون بالجسد والروح.

يشارك الجسد في القيامة إذ "يُزرَع جِسْمٌ بَشَرِيٌّ فيَقومُ جِسْمًا رُوحِيًّا" (1 قورنتس 15 :44). وعندما يقول القديس بولس: "إِنَّ اللَّحْمَ والدَّمَ لا يَسَعُهما أَن يَرِثا مَلَكوَتَ الله" (1 قورنتس 50:15) مضيفا بعدها إن "الَّذينَ يَحيَونَ بِحَسَبِ الجَسَد يَنزِعونَ إِلى ما هو لِلجَسَد... فالجَسَدُ يَنزِعُ إِلى المَوت" (الرسالة إلى أهل روما 4:8-9)، لا يعني البتة أي تحقير للجسد(22)،  بمعنى "الجسم" (soma بالإغريقية)؛ بل هناك تمييز بين الجسم والجسد (Sarx بالإغريقية) ومعناه الإنسان في خطيئته وكيانه البشري خلافا لطبيعة الله الإلهية. والمقصود هو سلوك "سَبيلَ الرُّوح" من دون قضاء "شَهوَةَ الجَسَد" (الرسالة إلى الغلاطيين 13:5-26). بروح الله تحيا الأجساد الفانية التي كانت ميتة بسبب الخطيئة (الرسالة إلى أهل روما 11:8)

وبتأثير فلسفة أفلاطون (427-347 ق.م) وأفلوطين(205-270 م.) الإغريقية في القرون الميلادية الاولى، ركز الفكر المسيحي على روح الإنسان وليس على جسده. أما ظهور الغنوصية وانتشار تأثيرها في القرن الثاني الميلادي، فأديا إلى احتقار الجسد والعالم والتاريخ، مما أثر حتما على المسيحية. إلا أن الكنيسة فصلت نفسها عن الغنوصية. ففي الكنيسة إيمان بأن ليست الروح وحدها التي تُرفع إلى الله، بل أيضا الجسد، مما يثبت إن الكنيسة لا تركز على الجانب الروحي وحسب. فقد خلق الله الإنسان جسدا وروحا متحدين. يتحرر الشخص بكل أبعاده من قوة الخطيئة والموت فيرتقي إلى حرية أبناء الله ومجدهم (الرسالة إلى أهل روما 21:8).

 

 

الدين والدولة – الإيمان والسياسة

 

من منظور تاريخي، تطور  مفهوم الايمان والسياسة عند كل من المسيحية والإسلام بطريقة مماثلة. بشر كلاهما برسالة روحية ذات تطبيقات اجتماعية، رسالة طرحت أسئلة حول النظم السياسية والاجتماعية الظالمة. وفي كلتا الحالين، أعطى نجاح الرسالة الدينية مقاما مسيطرا في المجتمع لكلا الدينين فباتا دينا للدولة.

ما من أساس في العهد الجديد لفكرة "دولة مسيحية": فالمسيح  لم يؤسس المسيح دولة ولا أقحم المجتمع المسيحي في منافسة مع المجتمعات السياسية. المسيحي مواطن شأنه شأن غيره من المواطنين، يترتب عليه الحقوق والواجبات نفسها، حتى لو كانت النخبة الحاكمة من الوثنيين.  لكن أصبحت المسيحية دين الدولة أولا في القرن الرابع الميلادي تحت حكم الإمبراطورين قسطنطين (حكم بين 306-337م) وتيودوسيوس (حكم بين 379-395م).

ويمكن تلخيص نظرة المسيح والعهد الجديد تجاه هذه المسألة عبر عرض موقفين مرفوضين:

رفض المجد والسلطان الدنيوي في سبيل ملكوت الله: قال المسيح: "لَيسَت مَملَكَتي مِن هذا العالَم " (يوحنا 36:18)، وقال:" أَدُّوا لِقَيصَرَ ما لِقَيصر، وللهِ ما لله" (متى 21:22، وقارن 27:17)، مما يشير إلى احترام حقوق الحاكم وامتيازاته، إذ يستمد سلطته من الله. وعندما كانت الجماهير تسعى لأن تجعل منه ملكا، كان يسوع دائما ينسحب (يوحنا 15:6، 12:12-36 [أحد السعانين]). خاب ظن الجماهير عندما رأت رفض يسوع لهذا السلطان الدنيوي، مما تسبب بموته لأنها كانت تتوقع مسيحا محاربا، منتصرا. المسيحية الظافرة التي تتمتع بالسلطة الدنيوية وتتخذ هذه السلطة لنفسها، تناقض الإنجيل. فالمسيحية "ديانة الصليب"، وانتصارها الوحيد ليس إلا المحبة  واهتداء القلوب إلى الرب الواحد. 

ترفض المسيحية الظلم السياسي والاجتماعي على أشكاله. تميزت حياة المسيح بالصدام المستمر، وأحيانا العلني، مع السلطات الدينية والعلمانية كلما انتهكت حقوق الإنسان والفقراء على وجه الخصوص، مما شكل سببا إضافيا لقتله. لا بد من إعطاء الأولوية للبشرى (أي الإنجيل) الموجهة بصفة خاصة إلى الفقراء، وليس لامتيازات قيصر، أي السلطة السياسية في هذا العالم. لا يجوز الفصل بين حب الله وحب أخينا الإنسان إذ حب الآخر برهان عن حب الله. وفي أصعب الحالات، يعني هذا الحب أن يبذل الإنسان حياته من أجل أخيه الإنسان (يوحنا 13:5، متى 40:25، رسالة يوحنا الأولى 16:3، 20:4). قد تقود صراعات المسيحيين إلى التضحية بالذات من أجل إخوتهم وأخواتهم، عبر مقاومة الظلم الفادح. من هذا المنطلق، يكون الالتزام السياسي جزءا لا يتجزأ من الرسالة المسيحية.

كانت المسيحية ديانة الدولة أيام الإمبراطورين قسطنطين وتيودوسيوس الأول، وبقيت كذلك لقرون عدة. في بعض الدول، استمرت في بعض الاحيان  على هذه الحالة  الى زمن غير بعيد ولو بمستوى أدنى. وبسبب ضعف البنى السياسية أو غيابها خلال آخر مراحل الإمبراطورية الرومانية، اكتسبت البابوية سلطة دنيوية. اما بخصوص دولة الفاتيكان،ولكون جميع سكان الفاتيكان من المسيحيين، تطورت نظرية المفتاحين (شعار الفاتيكان): مفتاح التعاليم الروحية ومفتاح الشؤون الدنيوية، وكلاهما بين يدي الحبر الأعظم (البابا)؛ الذي اعتبر نفسه مخولا تعيين الملوك والأباطرة. أدى اتحاد هاتين السلطتين في مؤسسة واحدة ويد واحدة، إلى موافقة وتطبيق لسياسات ونشاطات تتعارض صراحة مع روح الإنجيل، مثل: الحملات الصليبية،ومحاكم التفتيش الديني الشنيعة.  عاد المجمع الفاتيكاني الثاني بحسم إلى روح الإنجيل(23). طالب باستقلال الكنيسة (والدين) عن السلطة السياسية، والعكس بالعكس؛ مع دعوة السلطتين إلى العمل سويا لحل المسائل التي تفصلهما عن بعضهما البعض. في الوقت نفسه، طالب المجمع بحق الجماعات الدينية بممارسة نفوذها في المجتمع استنادا للمعايير المستمدة من قيم الإنجيل. أما بالنسبة للكنيسة البروتستانتية، فكان إعلان بارمن (1934) ذات دلالة خاصة.

 

 

الحياة في هذا العالم وفي الآخرة

 

تعلن قيامة المسيح عن آخر الزمان، لأن الحياة الأبدية قد بدأت، فقد جاء في الإنجيل: "أَنا القِيامةُ والحَياة" (يوحنا 25:11، وقارن 24:5، رسالة يوحنا الأولى 14:3، والرسالة إلى أهل روما 5:6). "والحَياةُ الأَبدِيَّة هي أَن يَعرِفوكَ أَنت الإِلهَ الحَقَّ وحدَكَ ويَعرِفوا الَّذي أَرسَلتَه يَسوعَ المَسيح" (يوحنا 3:17، وقارن 15:3-16، 24:5، 40:6، 47). لكن الحياة الأبدية ليست حاضرة تماما. يعيش المسيحي بين ما حصل وما لم يحصل بعد، لأن الخلاص النهائي، الآتي بواسطة قيامة المسيح وبالإيمان المسيحي، لم يتحقق بعد برمته. على العالم أن يتغير بقوة الروح القدس، وان يكون أقرب إلى مشيئة الله.

تصل الخليقة إلى الكمال بفعل الروح القدس عند عودة المسيح، التي ستكون علامة على نهاية هذا العالم والزمان والتاريخ. لن يأتي عالم مختلف بل يتجدد هذا العالم ويتحول. يكون هذا العالم نفسه الذي نحيا فيه، بنفس سكانه، لكن يغدو متغيرا وأقرب إلى الكمال. ليس هذا بالحلم الخيالي بل واقع لأنه مبني على يسوع المسيح، بشارته، تضحيته وقيامته. وفي الوقت عينه يبقى هذا الأمل واقعيا، إذ يدرك المسيحي أن تحول البشرية والعالم لن يكتمل إلا إلى حين عودة المسيح. فهو مع الخليقة يئن من الم المخاض ويتوق الى كمال   " حرية ابناء الله " (  رومية 8 / 21 – 22 ) .    و يبقى التاريخ الحيز الذي فيه تتم " مسحنة " العالم ببناء  ملكوت الله فيه.

يدعو الإيمان المسيحي إلى الانخراط التام في الدنيا، في خدمة الغير، من أجل المساهمة في وصول رسالة الإنجيل إلى المسكونة جمعاء، فتصل هذه الأخيرة إلى تحقيق مصيرها الحقيقي. يدعو الإنجيل كذلك إلى الالتزام الفعال سعيا وراء رفاه البشرية: العدالة والمساواة وكرامة الانسان. ويتخذ هذا الالتزام أشكالا عديدة، مثل: العمل في حزب سياسي (أفضل وسيلة لتطبيق قيم الإنجيل في مكان وزمان معينين، بالتعاون مع الغير، مسيحيين وغير مسيحيين أو حتى ملحدين)، الانضمام إلى نقابة تجارية أو تقديم الخدمات الاجتماعية على أشكالها. حتى الحياة التأملية مساهمة في اكتمال حياة الإنسان. لكن يستحيل أن يكون الإنجيل منوطا بأي برنامج سياسي. مما يعني أن على المسيحي التمتع بنظرة نقدية تجاه كل نظام سياسي أو اجتماعي، مع الحفاظ على الاحترام الواجب للهيئات الزمنية الحاكمة وتطبيق مبدأ النقد الذاتي تجاه الذات والكنيسة في آن واحد.

رابعا: أجوبة المسيحيين

الجسد والروح

 

ينبغي التأكيد على وحدة الكائن البشري. خلق الله الإنسان  واحدا وينبغي ان تتناغم هذه الوحدة بين الجسد والروح. خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، ليس بجسده وحسب، بل بروحه أيضا ويجب ان يكنّ له الاحترام الواجب.

الدين والدولة

لا بد من الاعتراف بالانتهاكات الحاصلة ضد رسالة الإنجيل عبر تاريخ المسيحية، على الرغم من ضرورة أخذ السياق التاريخي دوما في الاعتبار. تزامنا مع ذلك، على المسلمين والمسيحيين إعادة قراءة تاريخهم بروح ناقدة، إذ تبرز الحاجة إلى دراسة نقدية ذكية للتاريخ المسيحي الإسلامي المشترك(66). علينا ألا ننظر إلى الماضي وحسب، بل أن نتطلع إلى المستقبل، مؤيدين وداعمين لنظام سياسي يشجع الحرية الدينية والاحترام المتبادل.

الدنيا والآخرة

 


____________________________________________________________

(22) جسدنا هو شخصنا هو انا،  وهو جميل ومخلوق من الله وله وظائف، لا يجب احتقاره واهماله،بل  يجب احترامه من دون ان يتحول  الى صنم أو وعاء للشهوة!

(23)  طالع وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني  المتعلقة: بالكرامة الانسانية وفرح ورجاء ورسالة البابا  بولس السادس عن تقدم الشعوب.

Contact us

J. Prof. Dr. T. Specker,
Prof. Dr. Christian W. Troll,

Kolleg Sankt Georgen
Offenbacher Landstr. 224
D-60599 Frankfurt
Mail: fragen[ät]antwortenanmuslime.com

More about the Authors?